بعرض عسكري ضخم ومعرض للأسلحة الغربية التي صادرها الجيش الروسي في أوكرانيا، وخطاب وصفه مراقبون بأنّه «قاسٍ» بشكل غير اعتيادي إزاء الغرب، أحيت روسيا، أمس، ذكرى «يوم النصر» على النازية، فيما لا تزال القوات الروسية تتقدم تدريجياً وتسيطر على مناطق وقرى أوكرانية، وسط «عجز» متزايد لدى قوات كييف عن التصدي لها، ما يؤجّج مخاوف العديد من المراقبين من أنّ المساعدة العسكرية الضخمة التي أقرّها الكونغرس الأميركي لأوكرانيا، الشهر الماضي، لن تكون كافية لـ«عكس» مسار الحرب وإلحاق الهزيمة المرجوّة بروسيا. وخلال حضور العرض العسكري، الذي «أجمعت» وسائل الإعلام الغربية على أنّه جاء «مختلفاً جداً» عن العام الماضي، ألقى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خطاباً اتهم فيه كييف وحلفاءها الغربيين بمحاولة «تشويه التاريخ» والحقائق حول الحرب العالمية الثانية، معتبراً أنّ النزعة «الانتقامية» ومحاولة خلق تبريرات لـ«النازيين الحاليين» هي جزء من «سياسة شاملة تنتهجها النخب الغربية لإذكاء صراعات إقليمية جديدة». كما أكد الرئيس الروسي، الذي أدّى اليمين الدستورية الرئاسية الخامسة في وقت سابق من هذا الأسبوع، أنّه فيما تبذل روسيا جهدها لمنع وقوع أيّ «صراع عالمي»، فإنّ «قواتها الاستراتيجية تبقى في حالة تأهب قصوى» لمواجهة أيّ «تهديد وجودي» محتمل. كما وجّه بوتين تحية إلى الجنود الذين قتلوا «في القصف البربري والأعمال الإرهابية التي شنّها النازيون الجدد، وإخواننا في السلاح الذين ماتوا في المعركة ضد النازية الجديدة»، على حدّ تعبيره.وشارك في العرض في الساحة الحمراء، طبقاً لوزارة الدفاع الروسية، حوالي 9 آلاف جندي، من بينهم عدد ممّن قاتلوا في أوكرانيا، و61 قطعة عسكرية، من ضمنها نظام «يارس» الصاروخي الباليستي العابر للقارات ونظام صواريخ أرض - جو «أس 400»، والطائرات التابعة للقوات الروسية والتي رسمت العلم الروسي في الهواء. وحضر العرض رؤساء كل من: بيلاروس، كازاخستان، قيرغيزستان، طاجيكستان، تركمانستان، أوزبكستان، كوبا، لاوس وغينيا بيساو، ووضعوا الزهور على ضريح «الجندي المجهول» في الساحة الحمراء. كما نظّمت مختلف المدن الروسية - باستثناء بعض الأجزاء في البلاد بما فيها منطقتا كورسك وبسكوف الغربيتان -، عروضها العسكرية الخاصة. وشملت التحضيرات للاحتفال، افتتاح روسيا لمعرض للمعدات العسكرية التي تم الاستيلاء عليها في الحرب في أوكرانيا، في خطوة رأى مراقبون غربيون بناءً عليها أنّه «حتى في الوقت الذي تحارب فيه روسيا الغرب الجماعي مجتمعاً، فإنها تريد توجيه رسالة مفادها أنّ النصر حتمي». ويتضمن المعرض الروسي قطعاً عسكرية وُضعت عليها أعلام أكثر من 12 دولة، ومن ضمنها دبابات «أبرامز» الأميركية «وليوبارد 2» الألمانية ومدرعات بريطانية وغيرها.

تراجع «الزخم»
ويأتي إحياء «عيد النصر» هذا العام في الوقت الذي تواصل فيه القوات الروسية تحقيق مكاسب ميدانية في شرق أوكرانيا، إذ أعلنت، خلال الأسبوع الماضي فقط، السيطرة على العديد من القرى هناك. وفي الإطار نفسه، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية تقريراً جاء فيه أنّه مع استمرار العجز الأوكراني بسبب النقص في الأسلحة والأفراد، أصبحت القوات الروسية تحاصر بلدة تشاسيف يار «ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة»، وهو ما يمكن أن يمهّد الطريق أمام المزيد من التقدم الروسي. وتبعد البلدة نحو 6 أميال عن باخموت، وكانت مركزاً مهماً لكييف منذ عام 2014، ومقراً لمستشفى عسكري مهم، ثمّ مقراً لعملية القوات المشتركة ضد روسيا. وأكّد الجنرال فاديم سكيبيتسكي، نائب رئيس «المخابرات العسكرية الأوكرانية»، لصحيفة «ذي إيكونوميست»، في وقت سابق، أنّ سقوط البلدة أصبح على الأرجح «مسألة وقت فقط»، مضيفاً أنّ وضع أوكرانيا حالياً هو «أسوأ مما كان عليه» منذ اليوم الأول لبدء الحرب.
أجمعت وسائل الإعلام الغربية على أنّ الاحتفال بـ«عيد النصر» جاء «مختلفاً جداً» عن احتفال العام الماضي


وفي تقرير منفصل، نقلت «واشنطن بوست» عن مسؤولين أوكرانيين وغربيين قولهم إنّ خيارات الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لما يجب فعله مستقبلاً أصبحت تتراوح حالياً «من سيئ إلى أسوأ»، مؤكدةً أنّه على الرغم من تأكيد زيلينسكي أنّ «أوكرانيا لن تقبل بما هو أقل من عودة جميع أراضيها، بما في ذلك تلك التي تسيطر عليها روسيا منذ عام 2014»، فإنّ التغيرات التي طرأت على خطوط المعركة، العام الماضي، تشير إلى أنّ استعادة كييف لمساحات شرق وجنوب البلاد تشكل حوالي 20 في المئة من مساحة الأخيرة، أصبحت «غير مرجحة بشكل متزايد». كما نقلت الصحيفة عن مسؤول غربي في أوكرانيا قوله إنّ الوحدة الداخلية الأوكرانية حول الحرب أصبحت «تتلاشى»، بعد «الدعم الساحق» الذي كان يحظى به الرئيس فولوديمير زيلينسكي خلال العامين الماضيين. وعلى الرغم من أن كييف خفضت سنّ التجنيد إلى 25 عاماً، فإنّ خطتها لتعبئة نحو 500 ألف جندي تبدو غير قابلة للتطبيق، طبقاً للصحيفة نفسها، ولا سيما وسط انقسام بين البرلمان وزيلينسكي حولها، باعتبار أنّها لا «تحظى بشعبية»، وأنّ تكاليف اقتصادية باهظة ستترتب عليها، فيما لا يبدو العديد من الشبان الأوكرانيين على استعداد للتطوع في الحرب.
من جهتهم، رأى مراقبون، في حديث إلى صحيفة «بوليتيكو» الأميركية أنّ «حرب الاستنزاف» الحالية تصب في مصلحة بوتين الاستراتيجية، مشيرين إلى أنّه فيما كان من الضروري تمرير حزمة المساعدات في الكونغرس، إلا أنّ تلك الخطوة لن تكون كافية لـ«عكس الوضع المتدهور في أوكرانيا». وطبقاً لأصحاب هذا الرأي، فقد «حان الوقت لفكّ القيود التي وضعها الغرب على أيدي زيلينسكي، والسماح له باستخدام الأسلحة والمعدات التي يقدّمها له» بأقصى طاقاتها، وأنّه أصبح يتوجّب على الغرب أن «يخاطر بمخزوناته في زمن الحرب»، لمنح الرئيس الأوكراني «ما يحتاج إليه جنوده».