الجزائر ستسعى لمنع التدخل العسكري الخارجي
في مقابلة مع «الأخبار»، يقدّم عبد القادر سوفي، خبير الشؤون السياسية والاستراتيجية والأستاذ والباحث في «جامعة بليدا 2»، قراءة للخلفيات الداخلية والخارجية للتطوّرات في النيجر، ولأبعادها الجيوسياسية والجيو-اقتصادية، منظوراً إليها من الجزائر

ما هي التحدّيات الناجمة عن الانقلاب في النيجر؟ وما هو تقديركم للموقف انطلاقاً من الجزائر؟
- أعتقد أن جملة من العوامل الخارجية والداخلية ساهمت في دفع الحرس الجمهوري إلى الشروع في انقلاب في هذا البلد. بالنسبة إلى العوامل الخارجية، هناك أوّلاً نجاح الانقلاب في مالي وفي بوركينا فاسو وفي غينيا، ومواقف فرنسا المتباينة حيالها، وكذلك حيال العملية الانتقالية في تشاد. علاوة على ذلك، فإن الاستقرار الاقتصادي والأمني في دولتين ابتعدتا عن فرنسا، أي رواندا وأفريقيا الوسطى، كان له أيضاً تأثير أكيد على حسابات قادة الحرس الجمهوري. أمّا من بين العوامل الداخلية الوازنة، فهناك الاتفاقيات المجحفة بحق النيجر لاستغلال مواردها الطبيعية، خاصة تلك المبرمة مع شركة «أورانو» الفرنسية، «أريفا» سابقاً، والتي أتت كتكريس لاستمرارية الهيمنة الفرنسية على النيجر. يُعتبر محمد بازوم، الرئيس المخلوع، رجل فرنسا في البلاد لا أكثر، وهو ما يفسّر في نظر البعض مثلاً انتقال جزء من القوات الفرنسية المشاركة في عملية «بركان» إليها بطلب منه. قراره إقالة وزير الدفاع كانت له أيضاً تداعيات سلبية. أخيراً، فإن إصرار بازوم على تحرير الإرهابيين، عشية الإطاحة به، وبينهم، وفقاً للفريق الحاكم حالياً، عملاء للاستخبارات الفرنسية، قد يكون من الأسباب التي سرّعت في الانقلاب.

ما هي دواعي «حزم» فرنسا وبلدان «إيكواس» حيال التطوّرات في النيجر، إلى درجة الاستعداد للتدخّل عسكرياً، على عكس تعاملهما «المرن» مع تلك التي جرت في مالي وبوركينا فاسو؟
- لفهم الخلفيات الفعلية التي تحفّز فرنسا وبلدان «سيدياو» على الاستعداد للتدخّل عسكرياً في النيجر، لا بدّ من التذكير بحقيقتين: الأولى، هي تمكّن فرنسا من التحكّم الحصري والدائم بالثروات الطبيعية لمستعمراتها السابقة في أفريقيا، والاحتفاظ بنفوذ كبير فيها من خلال أجهزتها الأمنية، ومنها شبكات جاك فوكار، وهو الرجل الذي كُلّف في عهد ديغول بـ«الملفّ الأفريقي»، ومن خلال اتفاقيات كولونياليّة الطابع. إذ ضمنت هذه الاتفاقيات تواجداً عسكرياً فرنسياً مباشراً في تلك البلدان، وسطوة هائلة على سياساتها وماليتها، وخضوعاً كاملاً من قِبل نخبها الحاكمة. والحقيقة الثانية، هي أن «سيدياو» تمثّل الأداة الرئيسة لفرنسا في أفريقيا الغربية. هذه المنظمة الاقتصادية التي أنشأتها 15 دولة أفريقية في عام 1975 في أبوجا، هدفت في الأصل إلى تنسيق عمل أعضائها، وتعزيز تعاونها واندماجها بغية التوصّل إلى اتّحاد إقليمي وعملة موحّدة. وفي عام 1990، وُسّعت صلاحيات المنظمة لتشمل الأبعاد العسكرية، لكنها لم تَقُم بإجراء يُذكر في مواجهة الانقلابات أو الجريمة المنظمة أو الإرهاب. وخلال تدخلها العسكري في منطقة الساحل، شكّلت فرنسا مجموعة الدول الـ5 حول الساحل، من دون أن يكون لـ«سيدياو» دور يُذكر. وظيفة «إيكواس» هي تسهيل عمل البنك المركزي في فرنسا وعملة «الفرنك الأفريقي» (Franc CFA)، من جهة، وضمان ديمومة مصالح خلية فرنسا - أفريقيا، من جهة ثانية. لدى النيجر المخزون السابع عالمياً من اليورانيوم، وهي رابع دولة منتجة له على الصعيد العالمي. يبدو هذا البلد بمثابة النملة التي أيقظت الفيل، كما يقول المثل، إلى احتمال أن يشكّل منطلقاً لانحدار الإمبراطورية الاقتصادية الفرنسية إن لم يفلح الإليزيه في إيجاد صيغة ملائمة للحؤول دون ذلك.
صراع العمالقة بين الغرب وروسيا يتوسّع من منطقة إلى أخرى، بدءاً من أوكرانيا فالسودان، وصولاً إلى النيجر راهناً


لقد دانت الجزائر الانقلاب، مع رفضها خيار التدخّل العسكري الأجنبي. كيف تقرؤون هذا الموقف؟
- وضع النيجر مقلق بالنسبة إلى الجزائر لعدّة اعتبارات: للجزائر حدود مشتركة تمتدّ على حوالي 1000 كم مع هذا البلد، ما يعني أن تداعيات التدخّل العسكري ستكون في جوارها المباشر. وفي ظلّ وجود مصادر تهديد مختلفة في دول الجوار الأخرى كليبيا وتونس ومالي والمغرب، فهذا أمر كافٍ لتسعى الجزائر إلى منع أيّ تدخل عسكري في النيجر. إضافة إلى ذلك البعد المرتبط بالأمن القومي وبحماية الحدود والعمق الاستراتيجي، هناك أيضاً الأهمية الخاصة للنيجر كمجال حيوي للجزائر ولأفريقيا بالنسبة إلى مشاريع الاندماج الاقتصادي المطروحة بين دول القارة كـ«زليكاف» و«نيغال». أيضاً، معطًى آخر ينبغي أخذه في الاعتبار هو أن النيجر ومالي والجزائر مرشّحة لأن تمثّل «الإلدورادو» الجديد في القارة بعد اكتشاف حقول غاز ونفط، ومخزون ذهب ويورانيوم لديها. في مثل هذا السياق، تخشى الجزائر اعتماد الغرب سياسة زعزعة الاستقرار. العقيدة الوطنية التي تلتزم بها الجزائر تستند إلى مبدأ معارضة التدخّلات الأجنبية واحترام السيادة الوطنية وسياسة حسن الجوار. من منظور القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، فإن اللجوء إلى البند السابع في ذلك الميثاق هو من صلاحيات مجلس الأمن، ما يجعل أيّ تدخّل آخر من خارج هذه الأطر القانونية غير شرعي وانتهاكاً صارخاً لمبدأ السيادة الوطنية.

هل نشهد حالياً صراع نفوذ غربياً - روسياً في منطقة الساحل؟
- صراع العمالقة بين الغرب وروسيا يتوسّع من منطقة إلى أخرى، بدءاً من أوكرانيا فالسودان، وصولاً إلى النيجر راهناً. الأكيد هو أن روسيا ليست مضطرّة لمحاربة أوروبا، ويكفي أن تقوم بطردها من أفريقيا. أظنّ أنّنا في مرحلة نهاية الانتقال من النظام الدولي ونمط الإدارة الآحادية لشؤون العالم اللذين سادا منذ عام 1990. نرى الآن إرهاصات نظام عالمي جديد. بروز الدول الوطنية في مجابهة الهيمنة الغربية، وبناء التكتلات بينها على قاعدة الدفاع عن مصالحها السيادية، هما من معالم هذه التحوّلات. تتجلّى استراتيجية تنويع الشراكات في أفريقيا راهناً. انحدار القوى الاستعمارية والغرب بصفة عامة، يفسح المجال للاعبين جدد صاعدين، يقترحون شراكات تراعي المصالح الرئيسة لأطرافها، وتمثّل بديلاً من الاتفاقيات الكولونيالية التي كانت أفريقيا الخاسر الأكبر فيها.

الخبير الاستراتيجي الجزائري