حقّق جايير بولسونارو مُبتغاه. أطال أَمَد المواجهة شهراً إضافياً لضخّ المزيد من التحريض في مجتمعٍ أظهرت نتائج انتخاباته انقساماً حادّاً يصل إلى درجة العداء، وسط تراجُع كارثي لقوى الوسط التي خرجت مثقلة بالخسائر على وقْع الاستقطاب غير المسبوق بين أقصى اليمين وأقصى اليسار. لم يترك «البولسوناريون» سلاحاً إلا واستخدموه: ترهيب متنقّل بين المدن، اغتيال سياسي استهدف الناشط اليساري مرسيلو أرودا من قِبَل «المتفلّتين» من اليمين المتطرّف؛ والسبب مجاهرة الضحية بدعم دا سيلفا، هجمة كنسية إنجيلية تكاد تصل إلى إباحة أرواح «العمّاليين» وأرزاقهم، وتهديد صريح من قِبَل بولسونارو بعدم الاعتراف بنتيجة التصويت إنْ جاءت على خلاف ما يريد، الأمر الذي استنفر الأجهزة القضائية وجعل قضاة المحكمة العليا يتوجّهون إلى مقرّ المحكمة الخاصة بالشؤون الانتخابية للإشراف المباشر مع عدد كبير من المراقبين الأجانب على العملية، قطعاً لدابر الفتنة والتشكيك. وعلى الرغم من تفوُّق الزعيم «العمالي»، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، بفارق خمس نقاط (حوالى 8 ملايين صوت)، على منافِسه الرئيس الحالي، إلا أن الانتخابات التشريعية أظهرت عُقدة إضافية لليسار، حيث حصدت قوى اليمين المتطرّف وحلفاؤها كتلاً وازنة، فيما حلّ حزب «العمال» في المرتبة الثانية في البرلمان بعد فوزه بثمانية وستين مقعداً، والمرتبة الخامسة في مجلس الشيوخ بتسعة مقاعد فقط. وجاءت هذه الحصيلة مخيّبة لآمال «العماليين» الذين حققوا، مع ذلك، تقدّماً ملحوظاً مقارنة مع انتخابات 2017، لكن «التسونامي البولسوناري» خلط الأوراق في اللحظات الأخيرة، ووضع البلاد أمام خريطة معقّدة وحسابات سياسية متشابكة. وعليه، سارع المرشحان إلى ورشة اتصالات مع المرشحين الخاسرين الذين سيشكلون رافعة هامة في الجولة الثانية. وتشير المعلومات إلى قُرب إعلان المرشح اليساري السابق، سيرو غوميز، الذي حاز 3 في المئة من الأصوات، تأييده لدا سيلفا بعد تَوجُّه أكثرية قيادة حزبه (العمل الديموقراطي) إلى دعم المرشح «العمالي». كذلك، أكدت مصادر «عمالية»، لـ«الأخبار»، أن الاتصالات مع المرشحة سيموني تابت، التي حصلت على 5 في المئة من الأصوات، «تسير في الاتجاه الإيجابي، وهذا ما سيحسم الصراع لصالح اليسار ويقطع الطريق على التجديد لبولسونارو لفترة رئاسية أخرى».
يقول «العماليون» إن فوز دا سيلفا في الجولة الثانية مؤكّد


وكشفت المصادر عن اجتماعات مفتوحة لحزب «العمال» لدراسة أسباب المفاجأة الصادمة التي فجّرتها كل من ساو باولو وميناس جيرايس، وتَمثّلت في تقدّم بولسونارو فيهما بفارق عشر نقاط، فيما كانت أكثر الاستطلاعات تشاؤماً تشير إلى تعادُل الطرفَين. وينوي «العماليون» تركيز الحملة الانتخابية في العاصمة الاقتصادية للبلاد، لإعادة الحظوظ إلى فرناندو حداد، المرشح لحاكمية ساوباولو، والذي حلّ في المرتبة الثانية أمام المرشّح الجمهوري (حليف بولسونارو)، تارسيسيو دي فريتاس، لينتقل الاثنان إلى جولة الإعادة آخر الشهر الحالي. أما بولسنارو الذي أعطته النتيجة الانتخابية فرصة ذهبية، فاستكمل مشاوراته الداخلية بلقاء مع فرقة العمل الإنجيلية، وأوكل إليها مهمّة استقطاب الأصوات في الشمال الشرقي، خزّان اليسار البرازيلي. وكان بولسونارو رشّح عدداً من القساوسة الإنجيليين التابعين لمنظمة «جمعيات الله الإرسالية» المعادية لحزب «العمال» لمناصب تشريعية ومحلية، علماً إنه سُجّل فوز 28 قسّاً في الانتخابات البرلمانية، أكثرهم من تيّار بولسونارو، في سابقة لم تشهدها البرازيل مِن قَبل.
في المحصّلة، ستُعيد الأيام المقبلة زخم المعركة الانتخابية، وسيحشد الطرفان كلّ طاقتهما لها. إذ اقتنع حزب «العمال»، أخيراً، بأن الحرب ضدّه تتعدّى الصراع السياسي، لتصل إلى حرب إلغاء يقودها تيّار متطرّف متمكّن من الإدارات السياسية والأمنية، ويحاول أيضاً السيطرة على القضاء، وهذا ما أشار إليه دا سيلفا بعد إعلان النتيجة الانتخابية، حيث اعتبر أن «حرب الأكاذيب لم تتوقّف»، مؤكداً أنه «سيستمرّ في النضال حتى يُحقّق النصر الحاسم»، فيما أعاد بولسونارو التذكير بما سمّاه «الفشل الذريع لليسار في أميركا اللاتينية»، محذّراً من عودة البرازيل إلى حُكم «الشيوعية». وبينما يقول «العماليون» إن فوز دا سيلفا في الجولة الثانية مؤكّد، يدعو الواقع البرازيلي إلى الكثير من الحذر وعدم الاسترخاء، خصوصاً أن اليسار سيُواجه منافساً شرساً ومؤثّراً ويتقن فنّ قلب الطاولة في اللحظات الأخيرة.