موسكو | انهارت معظم تحصينات القوات الأوكرانية في مدينة ماريوبول، حيث تحوَّل تموضع التشكيلات التابعة لها إلى جيوب متفرّقة، حاولت تجميع نفسها في محور المنطقة الصناعية عند نقطة مصنع أزوفستال للتعدين، حيث دارت المعارك الأعنف. وظهر الرئيس الشيشاني، رمضان قاديروف، بين مقاتليه (يُقدَّر عددهم بخمسة آلاف) في المدينة، «لرفع الروح المعنوية» لهؤلاء، وفق ما أكد وزير السياسة القومية والاتصالات الخارجية والمعلومات الشيشاني، أحمد دودايف. وفي اتجاه أوغليدار جنوب غربي دونيتسك، تستمرّ المواجهات العنيفة، حيث سيطرت القوات الروسية و»الشعبية» على تلّة مشرفة على هذه المحاور. وتتركّز المواجهات للسيطرة على نوفوميخايلوفكا الواقعة في الوسط ما بين أوغليدار ومارينكا، حيث اصطدمت القوات الأوكرانية المنسحِبة لناحية الجنوب، مع القوات الروسية. كذلك، تتواصل المعارك في محور أفدييفكا - دزيرجينسك شمال دونيتسك، وتحديداً في محور نوفوباخموتوفكا، حيث يُسجَّل تقهقر في جبهة القوات الأوكرانية التي انكفأت صفوف دفاعاتها إلى الداخل. أمّا على محاور إيزيوم وبارفينكوفو وسلافيانسك، فبعد انهيار جبهة كامينكا، انتقلت القوات الروسية إلى الضفة الجنوبية لنهر دونيتس استعداداً للتقدُّم في اتجاه سلافيانسك جنوب شرقي إيزيوم، وبارفينكوفوا جنوب غربها. أيضاً، تمّ إحراز بعض التقدُّم على طول الطريق السريع من إيزيوم إلى سلافيانسك. وتمكّنت القوات الروسية من السيطرة على سلافوتيتش، حيث بدأت بتبديل مناوبة قوات الحماية والحرس لمحطة تشيرنوبيل الكهروذرية.ولم يتغيّر الوضع الميداني حول كييف، حيث تحاول القوات المحاصِرة التقدُّم نحو جنوب العاصمة، فيما لا تزال القوات الأوكرانية تمنع تقدُّم خصومها من غرب كييف إلى جنوبها، في حين تتواصل المواجهات شرقاً. وسُجّلت تحرّكات للقوات الروسية على محور تشيرنيغوف، حيث تم إسقاط أربع طائرات أوكرانية مقاتِلة. وتحتلّ هذه المدينة أهمية لوجستية واستراتيجية بالنسبة إلى القوات الروسية في محيط العاصمة. وإلى الجنوب، محور نيكولايف - أوديسا، لم تنجح السلطات الأوكرانية في تنفيذ وعدها بشنّ هجوم مضادّ على منطقة خيرسون، حيث يستمر التراشق المدفعي. ويبقى أن محط اهتمام جميع الأطراف حالياً هو ما يجري على الجبهة الشرقية، باعتباره الحدث الأكثر أهمية. وبحسب معلومات استخبارية، خلصت قيادة أركان القوات المسلحة الأوكرانية إلى أن سحْب مجموعة التشكيلات القتالية المسلحة من الدونباس بات أمراً غير واقعي، وسلّمت بواقع مواجهتها مصير الاندحار. وتستمر القوات الروسية بالضغط والتقدُّم لزحزحة خصومها جنوباً، بهدف السيطرة على سلافيانسك، حيث استمرّت المعارك الطاحنة طوال الليلة الماضية في منطقة دالينا.
ومع اقتراب إنجاز تحرير كامل الدونباس، تزداد احتمالات التوجّه نحو تنظيم استفتاء شعبي في جمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك اللتين اعترفت موسكو، أخيراً، باستقلالهما، للنظر في انضمامهما إلى الاتحاد الروسي، على غرار ما تم تنظيمه في شبه جزيرة القرم في 16 آذار 2014.
ستستأنف في مدينة إسطنبول، اليوم، المفاوضات الروسية - الأوكرانية

وقال رئيس لوغانسك، ليونيد باسيتشنيك: «أعتقد أن استفتاءً سينظَّم في المستقبل القريب، في أراضي الجمهورية وسيمارس فيه المواطنون حقّهم الدستوري تماماً لإبداء رأيهم في شأن إمكانية الانضمام إلى روسيا»، مضيفاً: «أنا مقتنع لسبب ما أن ذلك سيحصل، لأن معظم سكان لوغانسك الشعبية، وبعد تعرّضهم، على مدى ثماني سنوات، للقصف المستمر والحصار الاقتصادي و السياسي، لم يتلقّوا دعماً من أيّ دولة إلّا روسيا». وحتى الآن، لا يوجد أيّ تغيير في أولويات العملية العسكرية الروسية الخاصة، والتي أطلق عليها «عملية حماية الدونباس». وتؤكد مصادر روسية رسمية أنه لا يوجد مجال للتراجع عن أيّ من أهداف العملية المقرَّرة، لا سيما وأن السيطرة الكاملة على الشرق الأوكراني ستكون منطلقاً للتقدُّم والسيطرة على المحاور الثلاث الغربية. وزجّت قيادة الأركان الأوكرانية المسلحة، في بداية المعركة، بمعظم قواتها على هذا المحور، بهدف إعاقة التقدُّم الروسي، إلّا أن الخبراء يرَون أن تشكيلات القوات الأوكرانية المقاتلة حالياً في الدونباس مهدَّدة بالتصفية، وهي تقدَّر بأكثر من نصف عديد القوات المسلحة الأوكرانية العاملة، وبحوزتها أكثر من ثلثَي تجهيزات الجيش ومعداته وآلياته.
على المستوى السياسي، تفيد مصادر ديبلوماسية بأن روسيا استحسنت نقل مسار المفاوضات من بيلاروسيا إلى تركيا، تجاوباً مع مبادرة أنقرة، لا سيما وأن الجانب التركي يمكنه القيام بدور مؤثّر لا يقتصر على تنظيم جلسات التفاوض. وذكرت المصادر أن العائق الرئيس أمام نجاح المفاوضات، وختم مسارها بتوقيع اتفاق سلام بين الجانبين، هو الموقف الأميركي الذي يمنع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، من توقيع اتفاق سلام مع روسيا. وعليه، ستستأنف في مدينة إسطنبول، اليوم، المفاوضات الروسية - الأوكرانية، في جولة تأتي بعد عدة لقاءات حصلت عبر تقنية الفيديو، وتراجع معها منسوب التفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاقات بين الجانبين بعدما كانا قد تحدّثا، أكثر من مرّة، عن تقدُّم في بعض النقاط. وتطالب موسكو بأن تضمن الاتفاقات، حيادية أوكرانيا وعدم انضمامها لحلف «الناتو»، إضافة إلى نزع سلاح الجيش الأوكراني، واجتثاث النازية من دوائر الحكم ومن المجتمع الأوكراني، فيما تطالب كييف بالحصول على ضمانات أمنية لها تكفل أمنها وسيادتها مستقبلاً. وفي هذا السياق، أعرب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن أمل موسكو في أن تتوّج جولة المفاوضات في إسطنبول بنجاح يتمثّل، في المقام الأوّل، بوقف قتل المدنيين في الدونباس. وفي ردّه على سؤال عن إمكانية عقد لقاء بين بوتين وزيلينسكيي، أوضح لافروف أن الرئيس الروسي أكد مراراً استعداده لهذا اللقاء، لكن بشرط أن يكون معدّاً جيداً. ولفت إلى أن الوضع العام في أوكرانيا وتفاقم الأزمة والنزاع هناك وكثرة المشاكل المتراكمة في هذا البلد، تجعل عقد لقاء بين الرئيسَين، من أجل تبادل آراء بسيط بينهما، أمراً «ضارّاً». وفي كييف، أبدى الرئيس الأوكراني استعداد بلاده لإجراء تعديل دستوري يضمن حيادها، مؤكداً، في تصريحات أدلى بها أمام صحافيين روس، أن أوكرانيا مستعدّة للتوافق في تقديم ضمانات أمنية، والتزام الحياد والتخلّي عن السلاح النووي. وأشار إلى وجود مباحثات حول منح الضمانات الأمنية لبلاده، مبيّناً أن هذه الضمانات «يجب ألّا تكون مجرّد حبر على ورق».
إلى ذلك، أصدر بوتين تعليماته إلى الحكومة الروسية والمصرف المركزي وشركة «غاز بروم» لاتخاذ التدابير الضرورية لتغيير عملة الدفع لإمدادات الغاز إلى الروبل بحلول 31 آذار الجاري. وتعليقاً على قرار موسكو تلقّي مدفوعات الغاز بالعملة المحلية، أعلن وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابك، أن دول «مجموعة السبع» اعتبرت أن هذا المطلب «غير مقبول» ويظهر أن بوتين «في مأزق»، مطالباً «الشركات المعنية بعدم الاستجابة لطلب الرئيس الروسي».