لا يزال الخلاف الذي نشب بين فرنسا وبريطانيا على خلفية ملفّ حقوق الصيد في الحدود المائية لجزيرة جيرسي التابعة لـ"التاج البريطاني" (وإن لم تكن جزءاً من المملكة المتحدة)، يتفاعل بين الجانبين. وبعد التوتّر الذي بلغ ذروته في اليومين الماضيين، من جرّاء الخطوات التصعيدية التي أقدمت عليها كلّ من لندن وباريس، والتي تمثّلت بإرسال الأولى سفينتين تابعتين للبحرية الملكية، بإيعازٍ من رئيس الوزراء، بوريس جونسون، لفكّ "الحصار" عن الجزيرة، عقب تجمّع قوارب الصيد الفرنسية قبالة ميناء سانت هيلير (عاصمة جيرسي)، مقابل إرسال الثانية زورقَي دورية إلى قبالة الجزيرة؛ بدأت بوادر تهدئة بالظهور يوم أمس، مع استدعاء لندن السفينتَين التابعتَين لها عقب مغادرة قوارب الصيد الفرنسية.وبعد مضيّ أربعة أشهر على إبرام اتفاق ما بعد "بريكست"، عاد التوتّر ليتصاعد حول مسألة وصول الصيادين الفرنسيين إلى المياه البريطانية. وتحت مراقبة سفينتَين تابعتَين للبحرية الملكية، توجّهت عشرات مراكب الصيد الفرنسية، أوّل من أمس، إلى الجزيرة، احتجاجاً على شروط الصيد المفروضة على البحارة الفرنسيين بموجب "بريسكت". وجاء ذلك بعدما أصدرت جيرسي تصاريح صيد عدّتها باريس بمثابة "قيود غير منصفة على دخول سفن الصيد الفرنسية إلى مناطق الصيد في الجزيرة". ومن هذا المنطلق، هدّدت وزيرة البحار الفرنسية، أنيك جيراردان، بقطع الكهرباء عن الجزيرة التي تغذّيها فرنسا من خلال كابلات بحرية، إذا لم تُرفع قيود الصيد، الأمر الذي دفع الحكومة البريطانية إلى التعبير عن "دعمها الثابت" لجيرسي، ونشرها زورقَين كـ"إجراء وقائي بحت" بالاتفاق مع حكومة الأخيرة. إزاء ما سبق، عبّر مسؤول في الرئاسة الفرنسية عن "قلقنا وإحباطنا... هو نداء من أجل التطبيق الصحيح للاتفاقات" التي أُبرمت حينما غادرت بريطانيا التكتّل الأوروبي. إلّا أن مسؤولين في جيرسي لفتوا إلى أن قيود الصيد الجديدة تتّفق مع الترتيبات التجارية لما بعد انفصال بريطانيا عن الاتحاد، وأضافوا إنهم "سيجتمعون مع ممثّلين عن المحتجين لمناقشة مخاوفهم"، فيما قالت السلطات الفرنسية إنه لم يتمّ إبلاغ الاتحاد الأوروبي بالإجراءات الجديدة للصيد قبالة الجزيرة، وهو ما يجعلها "لاغية وباطلة". تجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرّة الأولى التي يحدث فيها احتكاك بين الصيادين الفرنسيين والبريطانيين على هذه الخلفية، وخصوصاً أن جيرسي هي أكبر جزر "القناة الإنكليزية" التابعة لـ"التاج البريطاني"، وتتمتّع بحكم ذاتي.
استدعت المملكة المتحدة زورقَي الدوريّة التابعَين لها بعد مغادرة قوارب الصيد الفرنسية


ويُعدُّ ملفّ حقوق الصيد ما بعد "بريكست" من أكثر الملفّات التي أثارت جدلاً خلال عملية التفاوض على خروج بريطانيا من التكتّل، وذلك بالنظر إلى أن صيادي الأسماك من عدّة دول أعضاء، مثل فرنسا والدنمارك، يعتمدون على المياه البريطانية، التي تشكل أيضاً 30% من رقم أعمال الصيادين الفرنسيين. وفي هذا السياق، كان الطرفان قد توصّلا إلى اتفاق ينصّ على فترة انتقالية حتى صيف عام 2026، حين يتخلّى الصيادون الأوروبيون عن 25% من صيدهم في المياه البريطانية، أي ما يعادل 650 مليون يورو سنوياً، على أن تتمّ إعادة التفاوض في شأن هذه المسألة سنوياً. وبموجب الاتفاق، سيتمكّن الصيادون في الاتحاد من الوصول إلى المناطق الواقعة بين 6 و12 ميلاً بحرياً قبالة السواحل البريطانية حيث كانوا يصطادون تقليدياً، حتى صيف 2026. إلّا أن العقبة التي أشعلت التوتّر أخيراً بين الطرفين ترجع، بحسب باريس، إلى امتناع لندن عن الالتزام باتفاق "بريكست"من خلال تشديد شروط دخول الصيادين إلى المياه البريطانية؛ إذ وفقاً لوزارة البحار الفرنسية، تلقّت فرنسا، حتى الآن، 88 ترخيصاً، من أصل 163 طلباً للصيادين من او-دو-فرانس (شمال)، و13 ترخيصاً من أصل 40 طلباً لزملائهم في بريتاني (غرب)، وللصيد في جيرسي، تمّ منح 41 ترخيصاً من أصل 344 طلباً.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا