مهاجمة إيران هي قرار الكونغرس (...) إسقاط طائرة التجسّس الأميركية، يوم الخميس، عبر صاروخ أرض ــ جو إيراني، هو ضربة أخرى مثيرة للقلق ضمن النزاع بين إدارة ترامب، التي تخلّت بشكل أحادي عن الاتفاق النووي الموقّع عام 2015 بهدف القيام بحملة «الضغط الأقصى»، وحكومة إيرانية تعاني من عقوبات اقتصادية قاسية. ليلة الخميس حملت أخباراً عن أن الرئيس ترامب يفكّر في ضربة انتقامية. (...)
الرسائل غير المتناسقة من البيت الأبيض تشير إلى حقيقة أن الولايات المتحدة وإيران قادرتان على القيام بأخطاء حسابية استراتيجية خطيرة (...).
آخر انتشار (للقوات الأميركية) جاء رداً على الهجمات التي شُنّت الأسبوع الماضي ضد ناقلتي نفط في خليج عمان، وهي هجمات ألقى فيها الجيش الأميركي باللوم على قوات الحرس الثوري الإيراني (...). البنتاغون أيضاً قال إن القوات الإيرانية أطلقت صاروخاً على طائرة تجسّس أميركية كانت تحوم فوق خليج عمان، في الوقت الذي شُنّت فيه الهجمات على ناقلتي النفط.
بوجود قوات عسكرية معارِضة بهذا القرب (...) بينما يواجه البيت الأبيض عجزاً في الثقة، يتزايد خطر اندلاع قتال يوماً بعد يوم. ولهذا السبب، إذا ما أراد ترامب ومجمّع صقور الحرب ــ الذي يقوده مستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو والسيناتور توم كوتن ــ قتالاً عسكرياً أوسع مع إيران، يجب عليهم في البداية إقناع الكونغرس والحصول على موافقته (...). مرّ وقت طويل منذ أن طالبت الذراع التشريعية بدورها الرئيسي في الإشراف على الحرب التي تُشن باسم الشعب الأميركي (...).
صوّت مجلس النواب هذا الأسبوع لسحب التفويض الممنوح للقوات العسكرية عام 2001، كجزء من مشروع إنفاق يصل إلى تريليون دولار. التفويض ــ البالغ من العمر 18 عاماً ــ لا يسمح بالبدء بقتال جديد مع إيران في عام 2019، رغم الجهود التي تقوم بها الإدارة لإقناع الكونغرس المتشكّك في أن إيران مرتبطة، بطريقة ما، بـ«القاعدة».
ترامب وضع خطّاً أحمر ضد القيام بعمل عسكري من دون موافقة الكونغرس في تغريدة له عام 2013، بعدما شنّت قوات النظام في سوريا سلسلة من الهجمات الكيميائية: «يجب على الرئيس الحصول على موافقة الكونغرس قبل مهاجمة سوريا ــ خطأ كبير إذا لم يفعل ذلك» (...).
الآن يواجه الرئيس ترامب أزمة ثقة، بشأن الحكمة من التخلي عن الدبلوماسية النووية وتفضيل المواجهة؛ بشأن شرعية استخدام الهجمات الإرهابية عام 2001 كتبرير قانوني لقتال آخر في الشرق الأوسط؛ بشأن أخلاقية ترسيخ الصراع في اليمن، والذي تصفه الأمم المتحدة بأنها أسوأ كارثة من صنع الإنسان في العالم. ما يثير القلق أكثر، هو أنه رغم الإعراب عن كرهه للدخول في حرب أخرى، إلا أنه يُظهر مؤشراً بسيطاً على أنه تعلّم درساً مركزياً من العقدين الماضيين من العمل العسكري الأميركي: من السهل البدء بنزاعات ومن المستحيل توقّع كيف قد تنتهي.
(ذي «نيويورك تايمز»)


تكتيكات «الضغط الأقصى» غير متناسقة
إذا كان هناك موضوع موحّد لسياسة ترامب الخارجية المتنافرة، فهو مفهوم «الضغط الأقصى». على الجبهات الجيو ــ سياسية الوافرة، روّج ترامب وحلفاؤه لمقاربة الإدارة القاسية، واضعين أنفسهم في مكانة الأبطال المدافعين عن المصلحة الأميركية.
«الضغط الأقصى» ــ بشكل أساسي عبر العقوبات القوية ولكن أيضاً عبر التغريدات الرئاسية التحريضية ــ وُضع ضد نظام كوريا الشمالية المنبوذ، ما جعل زعيم البلاد كيم جونغ أون يدخل في محادثات مع ترامب. إنه يكمن وراء ضغط ترامب على الفلسطينيين بهدف جعلهم يقدمون المزيد من التنازلات لإسرائيل. هو أيضاً ينطبق على مقاربة البيت الأبيض للأزمة في فنزويلا (...). وهو معروض في حملة البيت الأبيض ضد الجمهورية الإسلامية، في الوقت الذي يسعى فيه لخنق الاقتصاد الإيراني عبر وقف صادرات النفط.
في هذه الحالات (من دون ذكر مشاجرات ترامب التجارية المنفصلة مع الصين، وأوروبا والهند)، يُصِرُ الرئيس على أنه يعوّض عن تسامح أسلافه (...). ولكن بات من الواضح أنه مهما كان تبجّح ترامب، فإن جهود «الضغط الأقصى» لا تثمر النتائج التي يقول إنه يريدها. وفي بعض الأحيان، تؤدي إلى نتائج عكسية وتعقّد المسائل بالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها.
تقدّم إيران أكثر الأمثلة وضوحاً على مخاطر الاستراتيجية الترامبية. طهران وواشنطن عالقتان في مأزق خطير في الخليج الفارسي (...).
(إيشان ثارور / «ذي واشنطن بوست»)

يجب على إيران الهروب من الخناق الأميركي قبل أن يصبح قاتلاً
المتغيّر الأكثر أهمية في المواجهة الحالية في الخليج الفارسي هو الوقت. إدارة ترامب تريد أن تلعب لعبة طويلة، لوضع عقوبات أكثر شدّة. إيران بحاجة إلى لعب لعبة قصيرة، من أجل الهرب من الخناق الأميركي قبل أن يصبح قاتلاً. الدينامية الداخلية تساعد على شرح أحداث الشهر الماضي في الخليج ــ تصعيد إيران المستمر للضربات التي يمكن إنكارها ورد ترامب العسكري المقيّد نسبياً ــ . كل جانب لديه كتاب معايير مختلف، تمليه عليه مصالحه، وموارده والقدرة على الحفاظ على العمليات (...).
هذا هو الخطر الموجود أمامنا: ربما لا يمكن لإيران كسر لعبة الخنق هذه من دون خلق أزمة أكبر تجبر على التدخل الدولي ــ ربما هجوم إيراني يقتل أميركيين ويؤدي إلى انتقام أميركي قاسٍ ـــ . إدارة ترامب لا تريد مثل هذه الحرب ــ على الأقل الآن ــ لأن المسؤولين يعرفون أنه مع كل يوم عقوبات، تصبح إيران أضعف.
عندما نتفحّص منطق المواجهة من الداخل، تصبح الأحداث المحيطة مفهومة أكثر. كل جانب يبدو أنه يتصرّف بشكل عقلاني، على أمل الحصول على أهداف من دون قتال عسكري واسع. هذا الأمر مطمئن إلى حد ما، ولكن خطر القيام بحسابات خاطئة يبقى ضخماً (...).
ولكن كيف ينتهي ذلك إذا لم يكن عبر قتال؟ هذا هو السؤال المُربك بالنسبة إلى الاستراتيجيين في واشنطن والخارج. والولايات المتحدة قد عرضت مفاوضات (ولكن ليس تخفيفاً للعقوبات بعد) عبر رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي؛ المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي رفض العرض. بالقبول بالوساطة الدولية لإنهاء الحرب العراقية ــ الإيرانية عام 1988، ربما شرب آية الله روح الله الخميني ــ سلف خامنئي ــ ما سمّاه «كأس السم». ولكن خامنئي يرفض ذلك، حتى الآن (...).
ترامب يقول إنه لا يريد تغيير النظام في إيران. ولكن بصراحة، من الصعب رؤية نهاية أخرى لهذه المواجهة ــ إلا في حال قرّر خامنئي تجرّع كأس السم ــ. هذه حرب لن تكون ضرورية على الإطلاق، وستترتّب عليها عواقب وخيمة للغاية على إيران، والولايات المتحدة، والمنطقة. ولكن هناك لا منطق قوي يعمل هنا، والديناميات الداخلية للسياسة الأميركية والإيرانية تقرّبنا أكثر من حافة الهاوية.
(ديفيد إغناتيوس / «ذي واشنطن بوست»)