في قمة استثنائية، أمس، صادق الاتحاد الأوروبي على اتفاق تاريخي حول انسحاب بريطانيا من التكتل، واضعاً بذلك الكرة في ملعب البرلمان البريطاني الذي تشير التوقعات إلى أنه لن يصادق على الصفقة التاريخية بسهولة.وبعد نصف ساعة فقط من اجتماع قادة الدول الأعضاء، أعلن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، في تغريدة على «تويتر»، أن الدول الـ27 «أقرت اتفاق الانسحاب والإعلان السياسي في شأن شكل العلاقات المستقبلية» بين الجانبين، في حين أكّد البيان الختامي لقمة بروكسيل موافقة «المجلس الأوروبي على اتفاق انسحاب المملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية من الاتحاد الأوروبي ومن الهيئة الأوروبية للطاقة النووية».
ويأتي ذلك بعد 18 شهراً من المفاوضات الصعبة وبعد ساعات فقط من خلاف حول مستقبل جبل طارق كاد يطيح القمة الأوروبية. وكان رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، قد هدّد بعدم التصويت على اتفاق «بريكست» في حال أن مشاركة إسبانيا في أي مفاوضات نهائية حول منطقة جبل طارق ليست مدرجة في بنود الاتفاق. إلا أن سانشيز عاد وتراجع عن تهديده بعد تلقيه «ضمانات» في ما يتعلق بدور بلاده في مفاوضات مستقبلية حول جبل طارق، وذلك على رغم تأكيد رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، أول من أمس، أن موقف بريطانيا في شأن السيادة على هذه المنطقة «لم ولن يتغير».
هانت: رفض البرلمان للاتفاق سيؤدي إلى أخطار كبيرة للغاية


من جهته، وصف رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، الاتفاق بـ«المأساة»، قائلاً: «إنّه يوم حزين. خروج بريطانيا، أو أي دولة أخرى، من الاتحاد الأوروبي، لا يدعو إلى الابتهاج ولا إلى الاحتفال، إنها لحظة حزينة... إنها مأساة». ولكن يونكر شدّد في المقابل على أن الاتفاق هو «أفضل اتفاق ممكن، إنّه الاتفاق الوحيد الممكن»، وهو ما أكّدته ماي بدورها.
وفي أول رد فعل بريطاني، قالت رئيسة الوزراء: «إذا كان الناس يعتقدون أنه يمكن إجراء مزيد من المفاوضات، فالواقع هو عكس ذلك. إنه الاتفاق المطروح، إنه أفضل اتفاق ممكن... إنه الاتفاق الوحيد الممكن». وكانت ماي قد وجهت، قبيل انعقاد القمة، مناشدة مباشرة إلى البريطانيين لدعم اتفاقها للخروج، مؤكدة في رسالة مفتوحة أمس، أنها ستبذل كل ما في وسعها لإقرار اتفاقها في البرلمان البريطاني. وحثّت ماي البريطانيين على بدء حقبة جديدة من الوحدة السياسية بعد الخروج من الاتحاد في 29 آذار/ مارس 2019، داعية إلى تجاوز «الخلافات المريرة» التي أثارها «بريكست».
ووفق الاتفاق، تنتهي الفترة الانتقالية في 2020 ولكن «يمكن تمديدها إلى ما يصل لسنتين (أي 2022) ويفترض أن تتيح التحضير لمرحلة ما بعد الخروج، خصوصاً العلاقة المستقبلية الاقتصادية والتجارية بين بريطانيا والدول الـ27 في الاتحاد الأوروبي».

العقبة الأيرلندية
وعلى رغم إقراره من قبل الاتحاد الأوروبي، ينتظر الاتفاق إقرار البرلمان البريطاني، الشهر المقبل، وسط معارضة شديدة ليس فقط من أحزاب المعارضة، بل من قبل بعض نواب حزب «المحافظين» الذي تتزعمه ماي وحلفائها في «الحزب الديموقراطي الوحدوي» في أيرلندا الشمالية، الذي أعلن، أمس، أنه «سيعيد النظر» في دعمه لحكومة ماي.
وصرّحت رئيسة الحزب أرلين فوستر لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، أن «اتفاق الثقة والدعم لا يزال سارياً»، في إشارة إلى تمسّك حزبها بدعم حكومة ماي مقابل زيادة مبدئية في ميزانية أيرلندا الشمالية تبلغ مليار جنيه استرليني (1.3 مليار دولار). ولكنها هدّدت في المقابل بأن حزبها «سيضطر بوضوح إلى إعادة النظر في اتفاق الثقة والدعم إذا وافق البرلمان البريطاني على دعم اتفاق الخروج كما هو مطروح الآن».
ودعم أعضاء البرلمان البريطاني العشرة في «الحزب الوحدوي الديموقراطي»، ماي بعد خسارتها الغالبية البرلمانية في انتخابات مبكرة كارثية في عام 2017، إلا أن اللجوء إلى خطة «شبكة أمان» المثيرة للجدل في أيرلندا الشمالية يهدد بانهيار هذا التحالف. ويخشى الحزب أن تخلق الشبكة، وهي بند من بنود اتفاق الخروج، بالفعل حدوداً مع بريطانيا، وتضعف الروابط، وتزيد من فرص وجود أيرلندا موحدة من خلال تعميق ارتباط أيرلندا الشمالية بالاتحاد الأوروبي. وفي المؤتمر السنوي للحزب في بلفاست، أول أمس، حذّر نائب رئيس الحزب نايجل دودز، مجدداً، من «عواقب» تمسّك ماي بخطتها، مشيراً إلى أنّ دعم الحزب «سيف ذو حدين».
بدوره، أقرّ وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، بأنّ حسابات البرلمان للموافقة على خطة ماي للخروج من الاتحاد الأوروبي تبدو «عويصة»، لكنّه حذّر من أنّ رفض الاتفاق سيؤدي إلى «أخطار كبيرة للغاية» للبلاد.