أسبوعٌ صعب تواجهه رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، التي عليها إقناع وزرائها وبروكسل بخطتها بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في وقت دخلت فيه مفاوضات «بريكست» منعطفاً خطيراً. ومع بدء نفاذ الوقت في محادثات الطلاق الأوروبي ــ البريطاني، تبدو قمّة قادة الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع حاسمة في التوصل إلى اتفاق بين لندن وبروكسل، تزامناً مع تأكيد رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، في وقت سابق، الحاجة إلى تحقيق «تقدم جوهري» في مفاوضات «بريكست»، خصوصاً في ما يتعلق بمسألة الحدود الإيرلندية. في ظلّ كلّ هذا التوتر، تبرز بعض الآثار الجانبية للخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، فالنبيذ الفرنسي سيصبح ترفاً مثلاً، وكذلك الكثير من المشروبات والأطعمة الأخرى المستوردة من الجيران الأوروبيين، التي سيرتفع سعرها حالما تغادر بريطانيا الاتحاد، في آذار ،2019 كما هو مقرّر.
لكن الغموض بشأن الاتفاق النهائي، وما يتبعه من غموض بشأن مصير العاملين الأوروبيين في المملكة المتحدة، وكذلك القواعد التجارية الجديدة التي ستحكم العلاقة المستقبلية بين الطرفين، كلّها تضيف المزيد من الإرباك القائم أصلاً في ما يخص مصير العديد من القطاعات بعد الخروج.
كلّ ذلك يرتبط بطبيعة الاتفاق الذي سيتمّ التوصل إليه: «بريكست» «صعب»، أي قيود على الأشخاص والتبادل التجاري، أو «بريكست» الذي تريده الحكومة الحالية، أي قيود على تنقل الأشخاص وتحرير التجارة، والذي لم يقبل به الأوروبيون. أسعار البضائع التي ستخضع لرسوم إضافية، يبدو الأثر الأكثر وضوحاً للخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أن قطاعات أخرى، مثل الموضة وألعاب الفيديو تجد نفسها أيضاً غارقة في فوضى «بريكست».

ديستوبيا ألعاب الفيديو
مقاربة هذا القطاع لموضوع الخروج من الاتحاد الأوروبي طالت بُعدين، الأوّل مضمون ألعاب الفيديو، إذ تحوّلت إلى ألعاب سياسية، منذ مرحلة الحملات السابقة لاستفتاء «بريكست»، وصولاً إلى اليوم، مع معالجتها مسألة اتفاق الخروج من الاتحاد الذي تعاني رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، في سبيل التوصل إليه وإقناع شركائها الأوروبيين وبعض الساسة المحليين به. أما البعد الثاني، فينحصر بموقف هذا القطاع من «بريكست» عموماً، ومن اتفاق الخروج خصوصاً.
وبالعودة إلى ألعاب الفيديو التي تعالج موضوع «بريكست»، تعطي صحيفة «ذي غارديان» البريطانية، في تقرير، أمثلة عديدة عن تلك الألعاب السياسية، مع إشارتها إلى أنها ليست بالظاهرة الحديثة، بل عمرها على الأقل من عمر حملات الخروج:
-«ليس الليلة» للمخرج الإبداعي تيم كونستانت تأخذ اللاعب في رحلةٍ داخل بريطانيا ما بعد الخروج من الاتحاد، مكانٌ خياليّ فاسد، ديستوبيا، مهووسٌ بأوضاع المهاجرين ومليء بجنون الاضطراب، يفصل المواطنين الأوروبيين عن البريطانيين إذا رغبوا في العيش فيها.
-«اختر البريكست الخاص بك»، خيارٌ توفره شبكة «بلومبرغ»، التي تعطي المستخدم حرية الإجابة عن عدد من الأسئلة، ليصل إلى خلق اتفاق خروج من الاتحاد الأوروبي، ربما أفضل من ذاك الذي تجاهد تيريزا ماي للتوصل إليه.
أما في موقفها من اتفاق الخروج، فقد عمدت شركات ألعاب الفيديو إلى الضغط على الحكومة لتنفّذ آليات انسحاب خاصة بالشركات، لا تخضعها لقوانين ما بعد «بريكست». بعيد صدور نتائج الاستفتاء، أصدرت شركة «إنترآكتيف إنترتاينمت» البريطانية تقريراً أوضحت فيه أن إخضاع عامليها الفنيين الأوروبيين للضرائب وتأشيرات الدخول سيزيد كثيراً من تكاليفها. الشهر الماضي، أطلقت مؤسسات عدّة في القطاع حملة Games4EU (ألعاب مع الاتحاد الأوروبي)، تهدف إلى دعم تحرّك «ذي مغزى وسالم» للبقاء في الاتحاد، مع تبيان الضرر الذي يلحقه «بريكست» بقطاع ألعاب الفيديو، والمساهمة في حراك أوسع لحصر ضرر اتفاق «بريكست» صعب أو لا اتفاق. يرتكز قلق الحملة على مخاوف العاملين الأوروبيين في قطاع الألعاب البريطاني، ذوي «المهارات العالية» تحديداً، علماً بأن عائدات قطاع ألعاب الفيديو البريطاني تبلغ حوالى 5 مليارات جنيه إسترليني (حوالى 6.5 مليارات دولار أميركي)، يعمل فيه أكثر من 15 ألف شخصاً، 35% منهم هم مواطنون من الاتحاد الأوروبي.

«صُنِع في بريطانيا»
المخاوف نفسها التي نالت من قطاع ألعاب الفيديو تمكّنت كذلك من قطاع الموضة الذي يجد نفسه غير جاهز بعد لمرحلة ما بعد «بريكست».«مهما كانت نتيجة الاتفاق مع الاتحاد، فثمن سروال جينز سيرتفع بعد بريكست»، يقول المدير التنفيذي للمحلّلين في «ريتايل إيكونومكس»، ريتشارد ليم، لموقع «ستاندرد» البريطاني. وهو يتحدّث هنا عن السيناريوات المختلفة بعد «بريكست»، أي في حال توقيع اتفاق صعب، أو تحرير التجارة فقط.
الخيارات المتوافرة جميعها ستضرّ بهذا القطاع الضخم، الذي يساوي 98 مليار جنيه إسترليني (حوالى 127 مليار دولار أميركي). بعد «بريكست»، سيتقلّص عدد العاملين في القطاع، ما سيكون له أثر تضخمي على الأجور، علماً بأنّ 10 آلاف مواطن أوروبي يعملون في قطاع الموضة البريطاني، كما أن صادرات المملكة المتحدة من هذا القطاع إلى أوروبا كلّ عام تساوي 10 مليارات جنيه إسترليني (13 مليار دولار).
غموض المرحلة المقبلة يقلق القطاع الذي لا يزال يجهل طبيعة علاقته التجارية المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي. وفي أسوأ الأحوال، ومهما كان شكلُ هذا المستقبل القريب، فبالنسبة إلى شركات الملابس والأحذية المحلية، يعتبر «بريكست» كابوساً لوجيستياً»، وفق توصيف آنا توبين من حملة «جاهزون لبريكست» لموقع «ستاندرد» البريطاني. الكثير من الأوراق والمعاملات، وضرائب جديدة وقواعد ضريبية جديدة، وتأخيرات في مكاتب الهجرة، كلّها معوقات تنتظر القطاع.
الاستحصال على المواد الأولية أيضاً سيصعب، فثلاثة أرباع المواد المستخدمة في صناعة الموضة في المملكة المتحدة هي مستوردة، مثل القطن. وبالنسبة إلى التصنيع، أي الجانب الفني، سيخسر القطاع العاملين المهرة في الخياطة من شرق أوروبا، الذين غادر معظمهم أصلاً. تبادل المواهب مع أوروبا خسارة أخرى محتملة لقطاع الموضة الذي يعتمد بشكل أساسي على كادر إبداعي، فلن يكون من الممكن بسهولة استقدام طلّاب جدد في المعاهد البريطانية، والعكس صحيح.
ورغم دفع التصويت لصالح الخروج بعودة «صُنع في بريطانيا» إلى مفهوم صناعة الموضة في البلاد، وتشكيله «فرصةً لخلق مناخٍ مواتٍ للصناعة والأعمال والمواطنين البريطانيين»، وفق توصيف وزير التجارة البريطاني، ليام فوكس، إلّا أنه خلق إرباكاً كبيراً لدى شركات الموضة. الأخيرة تجد نفسها الآن مجبرةً على حماية أسواقها الأوروبية، والحلّ الذي لجأت إليه هو فتح مكاتب جديدة لها في إيطاليا مثلاً، وربما نقل مكاتبها كلياً إلى دولةٍ أوروبية لتجنبّ الكارثة.