بعد تعرّضها لموقف وصفته الصحافة البريطانية بأنّه «مذلّ» أمام القادة الأوروبيين، أمس، خرجت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، من أمام المقرّ الحكومي لتعلن في بيان متلفز أن المباحثات مع بروكسل وصلت إلى «طريق مسدود»، بعد الاجتماع الأوروبي، أمس، في سالزبورغ في النمسا. رأت ماي أن رد الاتحاد الأوروبي على خطتها المتعلقة باتفاق بريكست «غير مقبول»، إذ «ليس مقبولاً أن يتم ببساطة رفض مقترح الطرف الآخر من دون شرح مفصل ومقترحات مقابلة»، مطالبةً الاتحاد الأوروبي بالإعلان عن «ما هي المسائل الحقيقية وما هو البديل الذي يقترحونه حتى نتمكن من مناقشتها». تابعت ماي أن بريطانيا ستعد خطة بديلة حول مسألة الحدود الإيرلندية الشائكة «تحفظ كرامة المملكة المتحدة»، مضيفة أنه «في هذه الأثناء، علينا أن نواصل العمل على إعداد أنفسنا (لاحتمال) عدم التوصل إلى اتفاق».
أمس، وعبر توجهها إلى القمة غير الرسمية في سالزبورغ، لم تكن تيريزا ماي تتوقع بالطبع ترحيباً بخطتها الاقتصادية، لكن رد الفعل باغتها فيما كانت تأمل ببادرة تقوي موقفها أمام حزبها المنقسم حول بريكست. وتنص خطة ماي على الإبقاء على علاقة تجارية وثيقة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بعد الانفصال المقرر في 29 آذار/ مارس 2019، وخصوصاً إقامة منطقة تبادل حر للمنتجات الصناعية والزراعية، مع إنهاء حرية تنقل المواطنين الأوروبيين ورقابة محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي.
توصلت لندن وبروكسل إلى تسوية بشأن معظم القضايا، بما في ذلك الفاتورة التي يتعين على لندن دفعها، لكن تبقى المسألة الإيرلندية واحدةً من قضايا الخلاف بين الطرفين. يتفق الطرفان على تجنب إعادة الحدود الفعلية بين إقليم إيرلندا الشمالية وإيرلندا، لكن لندن تعترض على شروط «شبكة الأمان» التي يطالب بها الاتحاد الأوروبي من أجل ضمان هذه النتيجة.
من جهة ثانية، ترفض لندن حلاً عرضته الدول الـ 27 يقضي بإبقاء إيرلندا الشمالية ضمن الاتحاد الجمركي في حال عدم التوصل إلى اتفاق آخر يرضي الطرفين، لأنها ترى أن ذلك سيكون بمثابة حدود الأمر الواقع بين إيرلندا الشمالية وبقية المملكة المتحدة.

«ساعة الحقيقة»
كثّف القادة الأوروبيون الضغوط على ماي خلال القمة، وطالبوها بمراجعة مقترحاتها من أجل وضع اللمسات الأخيرة على مفاوضات الخروج التي تواجه خصوصاً عقبة الملف الإيرلندي. رغم أنهم رحبوا بالتطورات «الإيجابية» في المملكة المتحدة وبأجواء أفضل في التحضير لـ«بريكست» المقرّر نهاية آذار/ مارس 2019، فإن القادة الـ 27 طلبوا بشكل رئيسي من زعيمة المحافظين تحسين مقترحاتها الأخيرة.
أبرز المنتقدين لخطة ماي كان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي شدد على أن المقترحات البريطانية «غير مقبولة كما تم تقديمها» كونها «لا تحترم السوق الموحدة»، موضحاً أن «ساعة الحقيقة» بالنسبة إلى المفاوضات قد حانت. كما نبّه ماكرون إلى أنه «سيكون هناك صعوبات»، مشدداً على ضرورة أن «يوحد (الأوروبيون) صفوفهم». أضاف "يجب التوصل الى حل، لكن ينبغي ألا يضر (هذا الحل) بالتجانس وبقوة الحريات الأربع للسوق الموحدة".
بدوره، اعتبر رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، أن اقتراح تيريزا ماي حول إطار التعاون الاقتصادي المستقبلي بين التكتل وبريطانيا بعد «بريكست» لن ينجح «لأنه سينسف أسس السوق الداخلية» للاتحاد الأوروبي.
بالإضافة إلى ذلك، أعلن رئيس وزراء مالطا، جوزف موسكات، لإذاعة «بي بي سي» أن «هناك وجهة نظر تحظى بإجماع أو بشبه إجماع حول الطاولة، مفادها أننا نود... أن تجري المملكة المتحدة استفتاء آخر»، وهي فرضية رفضتها ماي التي طالبت الاتحاد الأوروبي بتقويم موقفه «كما عمدت المملكة المتحدة إلى تقويم موقفها».

«إذلال تيريزا ماي»
رأت الصحافة البريطانية أن دعوة القادة الأوروبيين ماي إلى تغيير خطتها، أمس، موقف «مذلّ». عنونت صحيفتا «ذي غادريان» و«ذي تايمز» بعبارة «إذلال تيريزا ماي» ونشرتا صوراً لرئيسة الوزراء تبدو معزولة أمام القادة الأوروبيين. وكتبت ذي «تايمز» أن قمة سالزبورغ «أثارت أزمة في الحكومة»، مضيفةً أن الوزراء قد يرغمون ماي على التخلي عن خطتها التي تطلق عليها اسم «تشيكرز» حول العلاقات التجارية المستقبلية بين الطرفين «في خلال أيام». حذّرت «ذي غارديان» أيضاً من أن «سلطة ماي كرئيسة للوزراء» أصبحت تحت تهديد خطير أيضاً.
من جهتها، نشرت صحيفة «دايلي تلغراف» المؤيدة لبريكست صورة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي عرّفت عنه على أنه أحد أشد منتقدي ماي على صفحتها الأولى، مع تعليق: «مفاوضات كارثية تهدد زعامة رئيسة الوزراء قبل مؤتمر المحافظين». وكتبت: على ماي أن تواصل الظهور بـ«وجه شجاع» رغم نكستها. أما صحيفة «ذي صن» الشعبية، فذهبت إلى حدّ انتقاد قادة الاتحاد الأوروبي وصوّرت ماكرون ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك على أنهما «رجلا عصابات مستعدان لنصب كمين» لرئيسة الوزراء.