على مدى سنوات حكمه الستة عشر، وُسم «حزب العدالة والتنمية» بسياسة خارجية لافتة تجاه الشرق الأوسط، تبلورت خصوصاً في الحرب السورية وتدخّله المباشر فيها. كذلك آثرت حكومة أنقرة إبراز اهتمام خاص بالقضية الفلسطينية إلى جانب الحفاظ على علاقة متوازنة مع إيران. أثّر ذلك في الداخل، فتحوّلت مغامرات تركيا العسكرية في سوريا، خصوصاً بقيادة رجب طيب أردوغان، إلى ورقةٍ انتخابية، منذ عام 2015 على الأقلّ. ومع اقتراب انتخابات حزيران 2018، التي ينافس فيها مرشّح «حزب الشعب الجمهوري»، محرم إينجه، بقوّة، تُطرح تساؤلات بشأن رؤية هذا الحزب للسياسة تجاه الشرق الأوسط، وتحديداً سوريا، وربطاً بواقع أنه حتى الآونة الأخيرة، لم يتبنَّ «الشعب الجمهوري» مواقف واضحة من تلك القضايا. «الأخبار» حاورت نائب رئيس «الشعب الجمهوري» والمكلّف بالدبلوماسية العامة للحزب، أونال شيفيكوز، الذي شغل في السابق منصب سفير، فضلاً عن كونه شخصية دبلوماسية معروفة. ما هو موقفكم من العمليات العسكرية التي أجرتها تركيا في شمال سوريا؟ هل كان لها تأثير على موقع تركيا الإقليمي وأمن حدودها أم أن نتائجها جاءت عكسية؟
عمليتا «درع الفرات» و«غصن الزيتون» اللتان قامت بهما تركيا تقدّمان على أنهما «كفاح ضدّ الإرهاب». ينص القرار 2254 لمجلس الأمن على وقف القتال في سوريا ويستثني المنظمات الإرهابية، أي «داعش» و«النصرة» والمنظمات المرتبطة بها. عمليات تركيا موجهة ضد «حزب الاتحاد الديموقراطي» و«وحدات حماية الشعب»، المعتبرة امتداداً للمنظمة الإرهابية «حزب العمال الكردستاني»، المتركزة في شمال العراق. لم يذكر القرار 2254 كلّاً من «حزب العمال الكردستاني» و«حزب الاتحاد الديموقراطي»، ولذلك نظر المجتمع الدولي إلى العمليات التركية على أنها لا تتوافق مع القانون الدولي. إلّا أن تركيا أعلنت أن قتالها ضدّ «إرهاب حزب العمال الكردستاني والمجموعات المرتبطة به في شمال سوريا» يعتمد على حقّ الدفاع عن النفس المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة. هل وفّرت تلك العمليات الأمن للحدود التركية؟ أعتقد أن من الإنصاف أن نقول نعم.
أما في ما يتعلّق بموقع تركيا كقوّة إقليمية، فالإشكالية تتعلّق بالدرجة الأولى بمدى صحة اعتماد استخدام القوة العسكرية كمعيار لقياس القوة والتأثير. من الأجدر رؤية تركيا كلاعب إقليمي قوي من خلال الدبلوماسية والقوة الاقتصادية ومساعي تحقيق السلام عبر الوسائل السلمية والدبلوماسية. استخدام القوة العسكرية لا يزيد من صدقيتك كوسيط نزيه.
استخدام القوة العسكرية لا يزيد من صدقيتك كوسيط نزيه


العمليات العسكرية يجب أن تكون محدودة، ويجب ألا تستمرّ القوّات المسلحة في حضورها على الأراضي السورية لمدّة طويلة. إخفاق تركيا في القيام بذلك سيطرح تساؤلاتٍ بشأن نياتها.
بالإضافة إلى ذلك، من الواضح أن لدى تركيا «مشكلة كردية» داخلية، ولطالما بقيت معلّقة وغير محلولة عبر مصالحة مجتمعية واسعة، ستبقى تركيا تواجه صعوبات في إقناع المجتمع الدولي بشرعية عملياتها العسكرية الخارجية.
في حال نجاح «حزب الشعب الجمهوري» في الانتخابات، هل سيستمرّ في السياسة الحالية نفسها تجاه سوريا أم أن الحزب يملك مقاربةً مختلفةً للأزمة السورية؟
يؤمن «حزب الشعب الجمهوري» بالسلام وبالحل السلمي للأزمات عبر الدبلوماسية. لا يحبّذ استخدام القوة العسكرية. لذلك، من الإنصاف القول إن مقاربتنا في سوريا مختلفة جداً عن السياسة الحالية. نحن نؤمن بأهمية الحوار والدبلوماسية والسلام. هذا بالتأكيد لا يعني التفاوض مع المجموعات الإرهابية.
هناك عدّة لاعبين في الأزمة السورية، وينظر إلى تركيا على أنها في حوار فقط مع بعض جماعات المعارضة. على هذه الرؤية أن تتغيّر. نؤمن بأن على جيران سوريا أن يكونوا في الصدارة وأن يكونوا معنيين بمحاولات تحقيق السلام. كما نرى أنه يجب عدم استثناء احتمال الحوار مع دمشق أيضاً إذا ما كان ذلك يسهم في تحقيق السلام في سوريا ويساعد على إنهاء الحرب الأهلية في البلاد.
ما هو موقف «الشعب الجمهوري» من نقل الولايات المتحدة لسفارتها إلى القدس؟ وما هو برأيكم الدور الذي يجب على تركيا أن تلعبه في وجه المجازر الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في غزة؟
نقل السفارة الأميركية إلى القدس هو خطأ كبير، وهو لن يساعد على حلّ الصراع العربي – الإسرائيلي، فهو يدمّر مفهوم حلّ الدولتين ويعطّل بشدّة عمليّة السلام في الشرق الأوسط. من الآن فصاعداً، من المستحيل النظر إلى الولايات المتحدة كوسيط نزيه في الشرق الأوسط. هذه الخطوة صبّت الزيت على النار. القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية ويجب أن تبقى كذلك. وأخشى أن الخطوة الأميركية سيكون لها نتائج أوسع على المنطقة وقد تؤدي إلى موجة انتفاضة جديدة. ردّ الفعل الإسرائيلي العنيف وغير المتكافئ بحقّ متظاهرين سلميين لا يمكن النظر إليه على أنه دفاع عن النفس، بل هو مجزرة مطلقة. العديد من الفلسطينيين الأبرياء، ومن بينهم أطفال، قتلوا. تركيا هي حالياً رئيسة منظمة التعاون الإسلامي، لذا يجب بحث قرار فرض عقوبات ضدّ عنف إسرائيل.
هل تشاركون «حزب العدالة والتنمية» الموقف من خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي؟
اتفاق الخمسة زائد واحد مع إيران كان الاتفاق الأفضل المتوافر. المفاوضات بشأنه واختتامه لم يكونا بالأمر السهل. قرار دونالد ترامب سحب الولايات المتحدة من الاتفاق لا يتوافق مع المفاهيم الأساسية في القانون الدولي، خصوصاً مبدأ «العقد شريعة المتعاقدين». قرار ترامب هو تضحية بالعلاقات الدولية والسياسة الخارجية والقانون الدولي لأهداف محلية. هذا أيضاً سيؤدي إلى مزيد من التوتر والانقسام والتصعيد في المنطقة.