في طهران، الأعصاب مشدودة، والأعين على موعد 12 أيار، الأسبوع المقبل. خلف مشهد الترقب والحذر، موقف موحّد تلتئم عليه مؤسسات الحكم في إيران والتيارات السياسية، رغم تسلّل النقاش مجدداً حول أصل الاتفاق النووي. ففي أوساط خصوم الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف من يرى أن ما يجري فرصة لتذكير من آمنوا بالاتفاق بالموقف المعارض، القائل إن الاتفاق كان خطأ، وإن الولايات المتحدة ها هي لا تخيّب التوقعات بالانقلاب على الاتفاق. لكن روحاني وظريف يرفضان هذه المقاربة، مجدّدَين التأكيد على أن الاتفاق عاد بفوائد على طهران، وأن حكومتهما قامت بما كان يجب أن تقوم به.إلا أن حديث «العتب» السياسي في طهران لا يطغى على الموقف الجامع على ضرورة عدم إدخال القدرات العسكرية الإيرانية في بازار المفاوضات، وفي مقدمها برنامج الصواريخ الباليستية. كذلك، فإن الإيرانيين يتفهّمون أنشطة قواتهم خارج الحدود، لا سيما في سوريا، والتي تُقرأ لدى المحافظين والإصلاحيين على السواء على أنها دفاع كان سيتم داخل الحدود لو أن الجيش وقوات الحرس لم يبادرا إلى دعم سوريا والعراق. وتعزّز تلك النظرة الأخبار الواردة هذه الأيام حول الشبكات التي يجري القبض عليها والأسلحة المهربة عبر الحدود، بما يجعل «الابتزاز» الأميركي في هذه الملفات غير ناجع لدى الرأي العام الإيراني.
هذا الموقف الموحد تحتاج إليه الجمهورية الإسلامية، في ظل ظهور التأثيرات المبكرة للقرار المفترض للرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، وأبرزها التداعيات المالية على العملة المحلية، والتي لا تنفك تلقي بظلالها على الأسواق، ما استدعى جملة تصريحات من كبار المسؤولين الدبلوماسيين والعسكريين، ترد على الضغوط التي يمارسها في ربع الساعة الأخير كل من ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وإذا كانت هذه الضغوط تهدف إلى إخضاع إيران لجولة تفاوض جديدة تحت وطأة خسارة الاتفاق النووي، والتلويح بالحرب والعمل العسكري وتوسيع العقوبات الاقتصادية، فإن الجواب بات محسوماً بالنسبة إلى الإيرانيين. وما أسمعه الرئيس روحاني لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، صرّح به وزير الخارجية ظريف، أمس، حين جزم بأن بلاده لن تفاوض مجدداً حول الاتفاق النووي، ولن تضيف عليه أي شيء.
لا شيء يشي باستعداد ترامب وفريقه للاستماع إلى النصائح الدولية


ونشر ظريف، أمس، مقطع فيديو على «يوتيوب»، قدّم فيه مطالعة مسهبة حول ما مرّ ويمرّ به الاتفاق، الذي يُعدّ وليد النشاط الدؤوب للوزير الإيراني في السنتين الأوليين لتولّيه الخارجية. وقد بدت رسالة ظريف، في باطنها، أقرب إلى نعي لرحلات التفاوض الطويلة والاتفاق التاريخي الذي نجم عنها، بلغة تؤشر إلى اعتقاد حكومة روحاني بأن قرار ترامب سيكون إلغاء الاتفاق، وفي ظاهرها تقديم للدفوع الأخيرة، وإلقاء لما تبقى في جعبة طهران من حجج وبراهين يتوافر عليها المعجم الدبلوماسي، بوجه انقلاب ترامب على سياسة سلفه، قبل الدخول في مرحلة جديدة قد تتطلب فيها المواجهة أدوات أكثر تصعيداً.
ظريف، الذي بدا متشائماً وحاول إخفاء شيء من «الخيبة» خلف بشاشته، قال في رسالته إنه بات واضحاً الآن أن «بعض الأطراف الأوروبية تحاول إعطاء امتيازات أكثر لأميركا استجابة لعدم رضى الرئيس الأميركي». وذكر ظريف أن مطالب تعديل الاتفاق تشمل «عدداً من النقاط التي كنا قد اتفقنا على أن تبقى خارج إطار المفاوضات، وهي تشمل القدرات الدفاعية الإيرانية والنفوذ الإيراني في المنطقة»، مضيفاً: «مرّة أخرى وبشكل شفّاف: نحن لن نعهد للآخرين بأمننا ولن نُفاوض مجدداً على اتفاق كنا قد توصّلنا إليه ضمن سياق جيد، كما أننا لن نضيف على هذا الاتفاق أي شيء آخر». وحذر الوزير الإيراني من أنه «إذا استمرت أميركا في نقض الاتفاق النووي، أو قامت بالخروج من الاتفاق، فإن إيران ستختار الوسيلة التي تراها محقة لمواجهة هذه الإجراءات». فالولايات المتحدة، بحسب ظريف، لن تحصل على «اتفاق جديد»، خصوصاً أنها «لم تحترم الاتفاق النووي الذي كنا قد توصّلنا إليه». وختم ظريف الرسالة بتشبيه ما يجري بشخص اشترى منزلاً جديداً وانتقل للعيش فيه، فهو «لن يقبل العودة سنتين إلى الوراء لمناقشة سعر هذا المنزل»!
على المقلب الأميركي، لا شيء يشي باستعداد ترامب وفريقه للاستماع إلى النصائح الدولية المطالبة بالتريّث وعدم تمزيق الاتفاق، كما أكد أمس مسؤولان في البيت الأبيض لـ«رويترز»، من دون أن يحسما قرار الرئيس، والذي قد يكون البقاء مع عدم تعليق العقوبات. وبات محسوماً أن الخروج الأميركي، وبدرجة أقل عدم تعليق العقوبات، سيستتبع انسحاباً إيرانياً، كما عاد وشدد أمس مستشار المرشد الإيراني، علي أكبر ولايتي. آخر تلك النصائح قدمها أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي حذر من أن «ثمة خطراً حقيقياً بنشوب حرب في حال لم يتم التقيد بالاتفاق»، حاثّاً الرئيس ترامب على عدم الانسحاب من الصفقة النووية التي «كانت نصراً دبلوماسياً مهماً». لكن المخاوف الدولية لا تلقى صدى في البيت الأبيض، الذي انضم إليه وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو. والأخير يبدو أكثر المسؤولين تماهياً مع سياسات الرئيس ترامب، بعدما استهل أعماله بالترحيب بعرض نتنياهو النووي، الذي قدم فيه الأخير وثائق يراها بومبيو «موثوقة» كما قال.