قمة وارسو: مرحلة جديدة من العدوانية «الأطلسية»

  • 0
  • ض
  • ض

«الخطاب في وارسو يصرخ، عملياً، بنيّةٍ لإعلان الحرب على روسيا. هم فقط يتكلمون عن الدفاع، لكنهم في الواقع يُعدّون لهجوم»... قال ميخائيل غورباتشيف

في مستهل القمة التي عقدها حلف شمال الأطلسي في العاصمة البولندية، وارسو، نهاية الأسبوع الماضي، قال الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، إن «الحرب الباردة شيء من الماضي»، وإنها «ستبقى من الماضي».

وفي عشاء على هامش القمة، في اليوم نفسه، صرّح ستولتنبرغ بأن الحلف «لا يرى أي تهديد وشيك» ضد أي من دوله الأعضاء، من جانب روسيا، التي قال إنها «ليست شريكاً استراتيجياً»، رغم مساعي الحلف لجعلها كذلك «بعد نهاية الحرب الباردة»، مضيفاً أن الحلف «في وضع جديد، يختلف عن أي شيء خبرناه سابقاً».
لكن الحق أن الحرب الباردة لم تنته يوماً، إلا إذا كان القصد من القول بنهايتها أننا أمام هجمة «أطلسية» أخطر من تلك التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي مباشرة، مطلع التسعينيات. حينها، وخلافاً لوعد وزير الخارجية الأميركي، جايمس بايكر، لآخر الزعماء السوفيات، ميخائيل غورباتشيف، بأن «الحلف الأطلسي لن يتحرّك إنشاً واحداً نحو الشرق». بعد تفكك الدولة السوفياتية، «اتخذت الولايات المتحدة وحلفاؤها القرار الحاسم بتوسيع الأطلسي شرقاً عام 1993»، يقول غورباتشيف في مقابلة صحافية في تشرين الأول من عام 2014. بالطبع، لم تكن روسيا آنذاك «عدوانية»، كما تصفها واشنطن اليوم؛ ومع ذلك، شنّت الأخيرة حملةً لزعزعة استقرار روسيا نفسها، من بوابة أفغانستان والشيشان خاصة، قبل أن تقود حرباً مدمرة على يوغوسلافيا وتفتتها إلى دويلات عام 1999، لتفتح الباب أمام ضم مختلف كيانات شرق أوروبا إلى الحلف الأطلسي، بدءاً ببولندا وهنغاريا وتشيكيا، ثم دول البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) وبلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا، ولـ«تُبقي الباب مفتوحاً»، في قمة وارسو، أمام انضمام فنلندا والسويد وأوكرانيا والجبل الأسود وجورجيا إلى الحلف، استكمالاً لحصار روسيا، ولنقل المزيد من وسائل الحلف العسكرية الاستراتيجية إلى الحدود الروسية مباشرة.


تنتظر موسكو تفسيرات تفصيلية من الأطلسي حول قراراته الأخيرة

العدوانية «الأطلسية» تصاعدت باطّراد بعد «زوال الخطر السوفياتي» إذاً، وهي الآن تدخل طوراً جديداً أكثر خطورة من ذي قبل، رغم أن روسيا «لا تشكل تهديداً وشيكاً» للحلف الذي أكد رسمياً، في وارسو، خططه لنشر المزيد من القوات والمعدات العسكرية في دول البلطيق وبولندا، حيث بدأ العمل على إنشاء قاعدة لصواريخ «آيجيس» المضادة للصواريخ البالستية، بعد تفعيل قاعدة مماثلة في رومانيا. والمنظومات الصاروخية تلك تهدد بتحييد قدرة الردع النووي الروسية، فضلاً عن إمكانية تعديل وجهة استخدامها المعلَنة، بسرعة وفي الخفاء، بحيث تصبح قادرة على إطلاق صواريخ «توماهوك» البالستية البعيدة المدى ضد الأهداف الأرضية، مهددة العمق الروسي. كما أعلن الحلف من وارسو قراره تعزيز أساطيله في البحرين الأسود والمتوسط، ونشر طائرات AWACS، التي تحمل منظومات رادارية للسيطرة والتوجيه، في أجواء تركيا. وكانت واشنطن قد أعلنت منذ أيام قرارها نشر منظومة صواريخ THAAD المضادة للصواريخ البالستية في كوريا الجنوبية، رغم الاعتراضات الروسية والصينية الشديدة اللجهة، التي أكدت تهديد هذه المنظومة للأمن القومي للأمتين.
الحلف الأطلسي، الذي يشنّ حروباً دمّرت العراق وليبيا وسوريا، وأطلقت وحش «الإرهاب» وظاهرة موجات الهجرة، استسهل اتهام روسيا، في البيان الختامي الصادر عن قمة وارسو، بالقيام بـ«نشاطات عسكرية استفزازية (على أراضيها هي) عند تخوم نطاق الأطلسي»! واتهم الحلف روسيا أيضاً بـ«إرادة تحقيق أهداف سياسية عبر التهديد باستخدام القوة»، قائلاً في بيانه الختامي إن أنشطة روسيا هذه «هي مصدر لزعزعة الاستقرار الإقليمي، وهي في أساسها تتحدى الحلف، وتلحق الضرر بالأمن اليورو ــ أطلسي، وتهدد الهدف البعيد المدى (بناء) أوروبا كاملة وحرة وآمنة»!
رداً على ذلك، أعلنت أمس الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن بلادها «تنتظر تفسيرات تفصيلية» من «الأطلسي» حول إقراره «تعزيزات (عسكرية) في كل الاتجاهات»، وذلك في اجتماع «مجلس الأطلسي ــ روسيا» المقرر عقده، على مستوى الممثلين الدائمين للطرفين، الأربعاء المقبل. «خلافاً للمصلحة الموضوعية بالحفاظ على الأمن والاستقرار في أوروبا، وللحاجة... إلى مواجهة التحديات الحقيقية وليس المختَلَقة، يركّز الحلف (الأطلسي) على احتواء تهديد وهمي من الشرق»، قالت زاخاروفا، مشيرة في هذا السياق إلى «الاستمرار، عن وعي، بتجاهل التداعيات السلبية والمخاطر الطويلة الأمد التي تواجه المنظومة الأمنية اليورو ــ أطلسية بأكملها، والتي نتجت من الأفعال المتعمدة من جانب واشنطن وبروكسل، بغية تعديل ميزان القوى الحالي، بما في ذلك تسريع بناء أنظمة الدفاع الصاروخي في أوروبا». وأشارت زاخاروفا أيضاً في حديثها إلى محاولات «شيطنة» روسيا، بوصفها غطاءً لتبرير الحشد العسكري في أوروبا، والتمويه على «الدور التدميري» للحلف الأطلسي، ونشره الفوضى حول العالم.

  • لم تنته الحرب الباردة يوماً، بل ازداد الحلف الأطلسي شراسة

    لم تنته الحرب الباردة يوماً، بل ازداد الحلف الأطلسي شراسة (أ ف ب )

0 تعليق

التعليقات