■ مع بداية الأحداث السورية غادرت إلى دبي واعتكفت لمدّة عام ونصف العام، قبل أن تعود إلى العمل وتنجز بوفرة في كل عام عدداً كبيراً من المسلسلات. ما سبب هذه الكثرة الإنتاجية، هل هو مجابهة للظروف الاقتصادية أم هروب من الواقع المؤلم؟إذا عدت إلى تاريخي، تجد أنّني كنت غزيراً دوماً. هناك ممثلون يعيشون على دور واحد طوال عمرهم وهم مطلوبون ونجوم، وهناك مَن لديهم القدرة على تقديم مجموعة شخصيات منوّعة كل سنة. أنا من هذه الفئة الأخيرة التي تمتلك من خلال الخبرة والتقنية، القدرة على إجادة شخصيات كثيرة في عام واحد. وتساعدني في ذلك تركيبتي النفسية والمعرفية والثقافية والشكل الخارجي، ما يجنّبني التشابه في الشخصيات التي أقدّمها حتى لو حافظت على الشكل الخارجي. يمكنني لعب دور المتسوّل بنفس القدرة التي ألعب فيها دور الملك، لكن هناك زملاء غير مستعدين لتغيير تسريحة شعرهم لأنّهم تحنّطوا ضمن إطار محدّد، ولا يمكنهم تغيير موديل ربطة العنق.

وقد جرّب بعضهم تقديم عملين في موسم واحد، فكان الفشل حليفهم رغم نجوميّتهم الساطعة. أنا لا أمثل بربطة عنق ولا بملابس أشتريها من ماركات عالمية، ولا بتسريحة الشعر المميّزة، إنّما بعيوني وإحساسي وأدواتي وأستثمر طاقتي. لكن لا يعني ذلك أنني لا أسعى إلى وضع مادي مريح لي ولعائلتي شرط عدم الانحدار نحو مادة استهلاكية أو مبتذلة لا أرضى عنها.

■ لنذكّر سريعاً بأهم أعمالك التي ستجسّدها في رمضان المقبل؟
ينقر بيده على الطاولة وهو يقول «اللهم لا حسد»، ثم يضيف: لعبت دوراً في مسلسل «فارس وخمس عوانس» (تأليف أحمد سلامة، وإخراج فادي سليم ) هو عمل خفيف يبتعد عن كوميديا «الفارس» ولا يتناول قضايا كبيرة، إنّما يسعى إلى رسم الابتسامة على شفاه الناس من خلال قصة بسيطة تحاول خلق المتعة، وهو ما حمّسني للمشاركة فيه، خصوصاً أنّني لم أقدّم عملاً كوميدياً منذ زمن. في المقابل، لديّ دور رئيسي مختلف في عمل تراجيدي هو «غداً نلتقي» (إخراج رامي حنّا الذي تشارك التأليف مع إياد أبو الشامات)، إلى جانب كاريس بشّار ومكسيم خليل. القصة تجسد المعاناة الإنسانية للاجئين السوريين، وأجسد دور شاعر وصحافي نزح إلى لبنان بسبب مواقفه المعارضة لما يحدث في سوريا. كذلك، أقدّم تجربة لبنانية في مسلسل «سوا» (كتابة رينيه فرنكوديس، وإخراج شارل شلالا)، ومعي من سوريا شكران مرتجى وهو نوع يعتمد على المشاركة العربية، إذ تمتد قواسمه عبر أكثر من عاصمة. لم يسبق أن جربت ذلك كثيراً، وفيه نقدّم قصة بوليسية مشوقة.

■ سخر بعضهم من تحويل فيلم «العرّاب» الشهير إلى مسلسلين سوريين ينافسان بعضهما في العام نفسه، بخاصة أن سلوم حداد وجمال سليمان ستتم مقارنتهما بمارلون براندو مثلاً وباسل خياط سيقارن بآل باتشينو، وربما تقارن أنت بروبرت دوفال! حقاً إذا حصلت هذه المقارنة، سيكون الأمر مضحكاً للغاية؟
ثلاثية «العرّاب» مرجعية بالنسبة إلى النص والتمثيل والصورة والإبهار. ما أعرفه أنّ المثنى صبح عاد إلى رواية ماريو بوزو الأصلية، لذا لن تشبه الحكاية الفيلم، ولا أعرف من اقترح الفكرة قبلاً بين الشركتين. ربّما هو توارد أفكار أو غيرة فنية لكن الأرجح أنّ هناك اختلافاً كبيراً بين الحكايتين. رغم تأييدي لفكرة إنجاز عمل واحد، إلا أنّ لا مشكلة كون القصة مختلفة. فليكن التنافس سيّد الموقف، خصوصاً أنّ أهم ممثلي سوريا موجودون في العملين وهذا إنجاز مبدئي. المهم أن تبقى المهنة التي يعتاش من ورائها الآلاف مستمرة وأن تنتقل خطوة إلى الأمام.

■ خرَّجْتَ دفعات من «المعهد العالي للفنون المسرحية» في دمشق، وساهمت في منح فرص مسرحية لممثلين كانوا في البدايات، لكنّك سبق أن حدّثتنا عن حالة نكران وجحود عانيت منها في الحياة وفي الوسط الفني، كأنّك كنت ناكراً لأساتذتك حتى عاقبك القدر بهذا النكران؟
هناك كتاب لبيتر بروك اسمه «النقطة المتحوّلة... أربعون عاماً على استكشاف المسرح»، ولديه فصل كامل في كتاب ثانٍ بعنوان «الجحود عند الممثل». فيهما، يفنّد هذا المعلم هذه الحالات. شخصياً لم أنكر فضل أحد بل قضيت عمري أحكي عن أساتذتي حتى غزا الشيب رأسي، ولو سهوت مرّة واحدة في لقاء ما، ستكون هناك حشود مستعدة لشتمي واتهامي. هناك ممثلون تبنّيتهم وعملوا معي في مشاريع مسرحية حصدت جوائز مهمة. كان يُقال عنهم «ريفليه» (الكاميرا لا تحبهم)، ومع ذلك اشتغلت عليهم وآمنت بهم وصدّرتهم بطريقة مميزة وعلّمتهم أسرار المهنة، ليدخلوا بعدها لعبة النجومية الخادعة والتافهة والكاذبة. ولو أردت شخصياً أن ألعب هذه اللعبة لفعلت قبل عشرين عاماً. حتى أنّني في برنامج «شكلك مش غريب» المخصص للتسلية، حققت نجومية تتجاوز ما حققوه هؤلاء طوال حياتهم. ومع ذلك بقيت ثابتاً على الأرض. غير أنّ هناك من أصابته لوثة النجومية، فصار جحوداً واختلف سلوكه الإنساني، وصار يهمّه مدير الأعمال والمظاهر السخيفة. كل شخص يعمل بأصله، وإذا هم أصيبوا بقصور نظر فلم يعودوا يتذكرون ما قدّمته لهم، فلن تخذلني ذاكرة الناس.

سيشارك في «فارس وخمس عوانس» و«غداً نلتقي» و«سوا»
وأنا هنا أقصد ممثلة معيّنة، وهي تعرف نفسها. كلمة واحدة تكفي: «عيب». أتمنى ألا يكون الجيل الجديد على السوية نفسها من النكران، علماً بأنّ المسرح يشرّف أي ممثل ولا يجوز أن ينساه.

■ في حوار مع مجلة «سيدتي»، قال النجم عابد فهد إنّ نجوميّتك تأخّرت وأنّك لا تتمكن من الجلوس في مكان واحد لأكثر من ثلاثين دقيقة، وإنّه يفترض بك التريّث والهدوء. ما تعليقك؟
ربّما لأنّ نجوميّته تأخرت، يقيس الموضوع على هذا الشكل، لأنّه يؤمن بحالتي بشكل حقيقي. لكن مفهوم النجومية يختلف من شخص إلى آخر. لا أعرف عابد كيف يفهم النجومية، لكنّني أفهمها من سويّة الدور الذي أقدمه. عموماً، مليونا مشاهد على يوتيوب لمتابعتي في برنامج «شكلك مش غريب» سابقة لم تحدث مع أي مشهد في الدراما السورية. لا أحاول إجراء اختبارات في الشوارع والمقاهي، وإذا كان المطلوب تجسيد أدوار كبيرة، فقد تجاوزت هذه الخطوة، وسبق أن اعتذرت عن أدوار بطولة لصالح أدوار أقل حجماً. أعتقد أن الملاحظة من عابد فهد بمثابة بادرة محبّة، خصوصاً أنّه لم يحصد نجاحاً سوى في السنوات الأخيرة. أتمنى أن أحقق نجوميّته عندما أصل إلى عمره، لا سيّما أنّه يكبرني بسنوات كثيرة.

■ في جلسة خاصة، همس لنا النجم سامر المصري بأنّ المشاركة في برنامج «شكلك مش غريب» عُرضت عليه قبلك واعتذر، وأنه علّمك التقليد أيّام الدراسة، لكنك تقلّد بخفة، إضافة إلى استيائه من المشاركة في برامج مماثلة بالتزامن مع الموت اليومي في سوريا والبلاد العربية. ما رأيك؟
تتكلم عن شخص لا أعرفه ولم أسمع به سابقاً. ويبقى هذا رأيه، وهو عبارة عن تفاهات لا تستحق الرد ولا يجدر بي إعطاء وقت لآراء ملايين من عامة الناس.

■ ماذا عن المسيرة المسرحية، هل توقفت بسبب انشغالك بالتلفزيون، وماذا عن اتهامك بتقليد المسرح التونسي؟
كل تجربة مهمة أتأثر بها والمسرح التونسي انتشر منذ عام 1954 مع انطلاق «فرقة المسرح الجديد» التي كان قوامها الفاضل الجعايبي وجليلة بكار والفاضل الجزيري وتوفيق الجبالي، ومن ثم الجيل الثاني مع الراحل عز الدين قنون الذي كان له فضل مباشر عليّ من خلال ورشات أقمتها هناك تحت إشرافه. وهناك تأثري بالمسرح الفرنسي وعروض المسرح التجريبي، إضافة إلى المسرح السوري وتجارب مهمة لبعض المخرجين. تأثرت بداية بأمّي، وصولاً إلى كل من يقدّم إدهاشاً، فضلاً عن اهتمامي بالفن المعاصر والفن التشكيلي. كل هذه العوامل رفدت المخيّلة الخصبة لإنتاج عمل مسرحي مهم. حالياً، كتبت مسرحية «ترانزيت»، لكنّها بحاحة إلى ميزانية ضخمة وعدد كبير من الممثلين، وهو ما يؤخّر إنجازها.

■ من دون مجاملات، كيف تصف لنا علاقتك بزوجتك أمل عرفة؟
لسنا براد بيت وأنجلينا جولي. لقد وصلنا إلى منتصف العقد الرابع من عمرنا ولم نستثمر زواجنا نهائياً، ولم نظهر في أي لقاء مشترك. نحن نعيش حياة طبيعية يتخللها كل ما يمرّ به الأزواج، وطالما أنّنا سعيدان كعائلة، سنبقى مع بعضنا. وإذا شعرنا يوماً ما بأنّ هذه السعادة لم تعد موجودة، سننفصل. هي أم عظيمة وأنا لست رجلاَ متطلّباً، ويكفيني أنّها تفضّل الاعتذار عن العمل لقضاء وقت أطول من ابنتيها.

■ حدّثنا أكثر عن علاقتك بابنتيك مريم وسلمى؟
هناك حالة خوف وقلق لم يعش آباؤنا شبيهاً لها. أواظب على وجودهما الدائم في دمشق رغم الظرف القاسي. أكثر ما يسعدني أن ابنتي الصغرى مريم (5 سنوات) ترسم العلمين السوري والفلسطيني إلى جانب بعضهما. يفترض أن أمنحهما الفرح حتى إذا زرتني في البيت، ستكتشف أننا نلعب سوياً، وتشعر أنّني في سنّهما. وقد تعلّمت التمثيل في السنوات الأخيرة منهما، ونسيت كل الكتب التي درستها لأنّ الطفل أصدق كائن في البشرية. تعلمت كيف أعطيه اللعبة، فيضحك، وأسحبها منه فتنهمر دموعه في اللحظة نفسها. حتى يتمكن الممثل من النجاح، يحتاج إلى هذا الصدق مهما كان كاذباً في الحياة.

■ عندما تمشي في دمشق اليوم، بمَ تفكر وماذا تقول لها؟
إنّه إحساس صعب. لقد رحل جميع الأصدقاء. لكنّني متفائل بأنّ الظرف القاسي سيمرّ وسنظل متشبثين بالمكان الذي خلقنا وعشنا وبنينا ذاكرتنا فيه. لقاؤنا المقبل سيكون في «مقهى الروضة» الدمشقي حيث كنا نجتمع. أما الدخول في تصنيفات وأسباب ما حدث، فهذا مرفوض كلياً لأنّ هناك مستقبل بلد يحتاج إلى إعادة بناء ونهوض من تحت الرماد.