في تطور ميداني لافت، رفع تنظيم «داعش» من وتيرة هجماته على مواقع مختلفة في البادية السورية، حيث تتمركز خلاياه، مستهدفاً بشكل أساسي رعاة الأغنام وجامعي الكمأة الذين ينشطون في هذه الفترة من العام في البادية لجمع الثمار، ما تسبّب بوقوع مجازر عدة. وعلى خلفية ذلك، بدأت طائرات سورية - روسية طلعات مكثّفة في منطقة البادية، ونفّذت سلسلة غارات استهدفت مواقع بعض تلك الخلايا، وفقاً لخريطة أهداف تحدّثها بشكل مستمر عبر طائرات الاستطلاع. على أن خلايا «داعش» التي تتخذ من البادية ذات الطبيعة الجغرافية المعقّدة منطلقاً لها، والتي تتهم دمشق وموسكو القاعدة الأميركية في منطقة التنف بمدّ عناصرها بالمعدات العسكرية وتدريبهم، غيّرت في الآونة الأخيرة من طريقة عملها، سواء عبر توسيع عمليات زرع الألغام، أو تنسيق الهجمات بشكل مشترك بين جماعات عدة، بعد أن كانت تعتمد على شن هجمات منفردة، الأمر الذي تعتبره مصادر ميدانية سورية دليلاً إضافياً على الدعم الذي تتلقّاه هذه المجموعات من قاعدة «التنف»، بالإضافة إلى ظهور أسلحة ومعدات حديثة بين أيديها، لم تكن متوافرة في وقت سابق.أما على الجبهة الشمالية والشمالية الغربية من البلاد، فتكثف الفصائل «الجهادية» التابعة لتنظيم «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة - فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا) الهجمات التي ينفذها «انغماسيون» في مناطق «خفض التصعيد»، بالإضافة إلى محاولاتها المكثفة تنفيذ استهدافات بعيدة عبر القذائف الصاروخية والطائرات المُسيّرة. ويأتي هذا التصعيد المستمر في وقت يواجه فيه أبو محمد الجولاني، زعيم «الهيئة»، ضغوطاً متزايدة جراء الانقسامات المستمرة في صفوف جماعته، على خلفية محاولته إقصاء بعض «رفاق دربه»، الذين اتهمهم بالعمالة وزجَّ بهم في السجن، قبل أن يضطر إلى إطلاق سراحهم ليتحولوا إلى خصوم تمكّنوا من حشد الرأي العام في إدلب وبعض مناطق ريف حلب ضده، وهو الأمر الذي يظهر بوضوح عبر استمرار التظاهرات المطالِبة برحيله.
سياسياً، وفي محاولة جديدة لكسر جمود «اللجنة الدستورية»، أجرى المبعوث الأممي، غير بيدرسن، اتصالاً هاتفياً مع وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، تباحثا خلاله «في آخر المستجدات في ما يخص القضية السورية، والجهود التي يتم بذلها إزاء حل الأزمة السورية»، وفقاً لـ«وكالة الأنباء السعودية» (واس). إلا أن «واس» لم تتطرق إلى مسألة استضافة الرياض لاجتماعات «الدستورية»، رغم أن الاتصال أتى بعد توارد أنباء عديدة حول وجود خطط لنقلها إلى هناك، لما تمتلكه السعودية من علاقة أصبحت متينة مع دمشق من جهة، ولكونها المكان الذي ولدت فيه «هيئة التفاوض» المعارضة، وأيضاً بعدما تواترت أنباء عن تخلي بيدرسن، عن تمسكه المفرط بالموقف الأميركي الداعي إلى عقد اللقاءات في جنيف. ومن شأن هذا النقل، في حال حدوثه، أن يكسر جمود «الدستورية» ويعيدها إلى الحياة، خصوصاً في ظل وجود خطة موسّعة تمت مناقشتها في إطار «المبادرة العربية»، تتضمن تغييرات جوهرية في آلية عملها لتتلافى المشاكل التي وقعت فيها سابقاً، والتي تسببت بفشل ثماني جولات.
تسلّم الرئيس الأسد دعوة رسمية للمشاركة في القمة العربية المزمع عقدها في المنامة، في 16 من أيار المقبل


وفي سياق متصل، أعلن منسق الشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ في الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، التنحي عن منصبه، على أن يستمر في أداء مهامه حتى نهاية حزيران المقبل «لضمان انتقال سلس» للمهام إلى خلفه الذي لم يُعين بعد. وبرغم الإعلان عن أن الاستقالة جاءت لـ«أسباب صحية»، فهي فتحت الباب أمام تفسيرات عديدة، ولا سيما أنها جاءت بعد أيام من تداول وثيقة أممية حول جهود الرجل في إنشاء صندوق لـ«التعافي المبكر»، مقره دمشق، بتمويل يصل إلى 500 مليون دولار، ومهمة ممتدّة على مدار أربعة أعوام (من عام 2024 إلى عام 2028). وكان سيمثل تشكيل هذا الصندوق، خطوة على طريق طويلة رسمتها «المبادرة العربية»، تتضمن فتح الأبواب أمام عودة اللاجئين في دول الجوار إلى مناطقهم، وهو ما ترفضه واشنطن «من دون مقابل سياسي»، برغم الأوضاع السيئة التي يعيشها النازحون واللاجئون جراء تراجع التمويل المقدّم للمنظمات الأممية، من قِبل الجهات المانحة، وعلى رأسها الولايات المتحدة وشركاؤها في الاتحاد الأوروبي، المشغولون بالحرب في أوكرانيا، وتقديم الدعم لإسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
على خط موازِ، ناشد آدم عبد المولى، المنسق الأممي للشؤون الإنسانية المقيم في سوريا، توفير أكثر من 4 مليارات دولار من المساعدات المنقذة للحياة لأكثر من 10 ملايين سوري، مشدداً على أن «الأزمة المنسية إلى حد كبير في البلاد لا تزال واحدة من أكثر الأزمات فتكاً بالمدنيين في العالم». وقال المنسق الأممي للصحافيين في جنيف: «اليوم، نواجه وضعاً غير مسبوق في سوريا، وهو وضع لا يمكننا أن نتجاهله»، مشيراً إلى أن «التقاعس عن العمل سيكون مكلفاً بالنسبة إلينا جميعاً وسيؤدي حتماً إلى معاناة إضافية»، ومضيفاً أن نحو 16.7 مليون شخص يحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية في سوريا، بزيادة عن 15.3 مليوناً في العام الماضي، وأن هناك أكثر من 7 ملايين شخص مشردين داخلياً، وعدداً مماثلاً تقريباً من اللاجئين في بلدان أخرى، بما في ذلك الأردن ولبنان وتركيا المجاورة.
إلى ذلك، تسلّم الرئيس بشار الأسد دعوة رسمية للمشاركة في القمة العربية المزمع عقدها في العاصمة البحرينية المنامة، في 16 أيار المقبل. وذكرت «وكالة الأنباء السورية» (سانا) أن سفير مملكة البحرين في دمشق، وحيد مبارك سيار، سلّم الأسد رسالة خطية من ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، تضمنت دعوة رسمية للمشاركة في اجتماع الدورة العادية الثالثة والثلاثين لمجلس «جامعة الدول العربية» على مستوى القمة.