قبل أسبوع، استقبل الرئيس السوري، بشار الأسد، في «قصر الشعب» في مدينة دمشق، وفداً من الأمانة العامة لـ«المؤتمر القومي العربي»، برئاسة السياسي المصري حمدين صبّاحي، بعد أن كان المؤتمر قد انعقد بدورته الـ32 في بيروت، تحت عنوان: «دورة جنين»، في اليومين الأخيرين من الشهر الفائت. «بمجرّد دخولنا إلى الأراضي السورية، بدأ عدد من أعضاء الوفد الذين لم يزوروا سوريا منذ ما قبل الحرب، أي منذ أكثر من 10 سنوات، باستذكار أيام قضوها في سوريا، وكيف كانت هذه البلاد حاضنة لهم وللنشاط القومي والعربي عموماً»، يقول عضو من الوفد، في حديث إلى «الأخبار». «لا يمكن لأي زائر لدمشق بعد كل هذه السنوات وصور الحرب التي رأيناها ونحن خارج سوريا، إلا أن يُعجب بسرعة إزالة آثار الحرب، وغياب المظاهر العسكرية بشكل شبه كامل»، «هذا فضلاً عن الوجود الواضح لشكل الدولة ومؤسّساتها، والذي يظهر من خلال عناصر شرطة السير المتواجدين بكثافة، وإشارات المرور، والطرقات النظيفة، والحدائق التي يُعتنى فيها بشكل واضح»، بحسب المتحدث. وعلى الرغم من أن زيارة الوفد كانت قصيرة جداً، ولم تتجاوز اليوم الواحد، إلا أن معظم أعضائه عبّروا عن ارتياحهم لما شاهدوه في الطريق إلى دمشق، وداخلها.ثم توجّه الوفد للقاء الأسد، حيث حظي أعضاؤه باستقبال رسمي كبير، وبحضور مختلف وسائل الإعلام الرسمية. كما خرج الرئيس السوري لاستقبال ضيوف القصر عند الباب الخارجي، و«بدا واضحاً حرص منظّمي الاستقبال على أن تكون المراسم رفيعة، تشبه مراسم استقبال زعماء الدول»، كما يقول أحد الأعضاء. كذلك، جرت معاملة رئيس المؤتمر، حمدين صبّاحي، بشكل مميّز، يشابه معاملة الرؤساء. وفي بداية اللقاء، أكّد الأسد على أنه «لا يمكن الحديث عن انتماء سياسي، من دون توضيح مفهوم الانتماء كهويّة»، معتبراً أن «العمل القومي يجب أن يرتكز على المستويين الفكري والتطبيقي، لأن حالة القومية العربية والانتماء موجودة شعبياً، ولم تنجح كل محاولات ضربها على مدى السنوات الماضية»، إلا أن ما «ينقصنا اليوم، هو التقاط الأدوات والأفكار التي تشكّل قاعدة مهمّة للعمل القومي». وشرح الأسد رؤيته لدور الشباب العربي، وأهمّيته في المواجهة، حيث إن «المعركة اليوم، في ظلّ التطوّر التكنولوجي والانفتاح العالمي عبر التواصل الاجتماعي، تتركّز من قبل الأعداء على جيل الشباب، لخلق وعي مختلف عن واقعه، واستبداله بوعي آخر يُفقده هويته»، وبذلك فإن «المعركة هي معركة على الوعي، ولذا علينا ابتداع أساليب للمواجهة». كما شدّد الأسد على «أهمية توسيع مفهوم المقاومة، وخاصّة مقاومة الفكر الذي يغزونا، بهدف تفكيك البنية الفكرية للشعوب العربية».
الأسد: الرئيس لا يمكنه أن يُحدث التغيير بمفرده


وخلال اللقاء، فُتح المجال لأعضاء الوفد للحديث وطرح الأسئلة والأفكار والرؤى، فطُرحت أسئلة عديدة حول الحوار الداخلي، والديمقراطية، والالتزام بالقانون والدستور، وهنا تساءل الأسد عن «مفهوم الديمقراطية»، معتبراً أن «كل واحد يفهم الديمقراطية من منطلقاته، وأيضاً الدستور والقوانين كلّ يفهمها كما يريد». وكذلك الأمر بالنسبة إلى «التغيير من داخل الدولة»، إذ اعتبر الأسد أن «الرئيس لا يمكنه أن يُحدث التغيير بمفرده، فقانون العفو من الرئيس مثلاً، يُعمل به لمرّة واحدة، ولا يصبح قانوناً نافذاً»، ولذا فإن «التغيير في الدولة يتعرّض لعقبات وصعوبات جمّة وليس سهلاً». وأعاد تأكيد «الانفتاح على المصالحات، ولكن بشرط الالتزام بالقانون». ولدى سؤاله حول شكل الاقتصاد في سوريا، قال الأسد إن «نظام سوريا الاقتصادي، هو النظام الاشتراكي، وهو يحتاج إلى تجديد، لكننا لن نتحوّل إلى أي نظام آخر، ولن نذهب إلى صندوق النقد الدولي».
ولدى الحديث عن المؤامرة التي تعرّضت لها سوريا، تحدّث الأسد عن الإعداد المُسبق للحرب، وروى لأعضاء الوفد ما جرى بينه وبين الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي قبيل انعقاد القمة العربية في الدوحة، عام 2009، حيث قال له القذافي: «لا تندفع كثيراً، فكل هؤلاء (الزعماء العرب) يكذبون عليك، وهم يتآمرون عليك، ويجب أن تنتبه منهم». واليوم، «هنالك في سوريا من يقول إن العرب خانونا»، لكن «الانفتاح العربي الذي حصل تجاه سوريا أخيراً، إيجابيٌّ لكنه غير كافٍ، لأن هنالك معوقات وضغوطات لا تزال تُمارس على سوريا». ولدى سؤاله عن موقفه من دولتين عربيّتين عارضتا عودة سوريا إلى «الجامعة العربية»، قال إن «هذا في ما هو مُعلن»، لكن في المقابل، لقد «حضنني مندوب الكويت في الممرّ، خلال القمة العربية الأخيرة في جدّة (السعودية)».
وتطرّق الأسد في حديثه إلى القضية الفلسطينية، واعتبر أن «ما حصل في غزة من انتصار وتحرّك الشعب الفلسطيني في جميع المناطق، وخصوصاً في الضفة الغربية، وكذلك تحرّك الشعب العربي وتفاعله مع هذه الأحداث في فلسطين، كل ذلك أثبت أنه وعلى الرغم من كل المخطّطات التي تم تحضيرها للمنطقة، فإن الشعب العربي بكل أقطاره لا يزال متمسّكاً بعقيدته وبهويّته وانتمائه». كما تحدّث في هذا السياق، عن أهمّية «المبادئ» ومحوريّتها في العمل السياسي، وقال: «نحن بدأنا مسار التفاوض مع العدو الإسرائيلي، في الوقت نفسه مع (رئيس منظمة التحرير) ياسر عرفات، ولكنه استخدم الذكاء، أما نحن فقد اعتمدنا على المبادئ، وانظروا إلى أين هو وصل، وإلى أين نحن وصلنا».