أوسلو | تحوّلت «الدولة الاسلامية» إلى هاجس حقيقي في النرويج بعد تصدّر تهديدات أحد عناصرها جميع وسائل الإعلام المحلية، ما أحدث أثراً سلبياً في الحياة الاعتيادية في المملكة الاسكندنافية الواقعة على حدود القطب المتجمد الشمالي، والمصنفة على أنها من أكثر بلدان العالم «استقراراً وسلمية». فمنذ ظهور مواطن نرويجي متهم باطلاق تهديدات ضد العائلة المالكة، في شريط فيديو لمسلحي «الدولة» صُوّر في العراق الشهر الماضي، تعيش البلاد في حالة خوف من هجمات ممكنة.
حالة التخبط والخوف هذه، سرعان ما ظهرت لدى الجالية العربية في النرويج، وعلى نحو خاص بين أوساط المقيمين في مخيمات اللجوء الموزعة على طول الأراضي النرويجية. «جل ما نخشاه هو أن تؤثر تداعيات هذه التهديدات في سير عملية التحقيق لدى دائرة الهجرة واللجوء، أو في نظرة المجتمع النرويجي المسالم لقضايانا ومعاناتنا في بلادنا»، يروي مهيار (30عاماً)، اللاجئ السوري المقيم في مخيّم هاشليمون القريب من العاصمة أوسلو، مضيفاً: «في الأحوال الاعتيادية، من الممكن أن يتأخر التحقيق معنا لأشهر طويلة، قد تصل إلى سنة في بعض الأحيان، وعلينا الانتظار بعدها لأشهر للحصول على الإجابة النهائية حول حصولنا على إقامة. لا نعرف ما ستؤول إليه الأحوال نتيجة هذه التهديدات».

لم تشهد النرويج
مثل هذه الإجراءات منذ الحرب العالمية

التخوف من ردود فعل سلبية من قبل السلطات النرويجية من الممكن أن تطاول الملفات المتعلقة لآلاف اللاجئين السوريين والفلسطينيين الآتين من الأراضي السورية أخيراً، لكن الاستنفار الأمني غير المسبوق أكد هذه التخوفات على أرض الواقع، إذ شهد الأسبوع الماضي، مثلاً، انتشاراً أمنياً لوحدات مختلفة من الشرطة والوحدات العسكرية النرويجية، على الحدود مع فنلندا والسويد، وجميع محطات القطارات والسفن. وأغلق القصر الملكي في أوسلو، وألغيت العديد من الفعاليات الثقافية والسياحية في المدن الكبرى، كما قطعت رئيسة الوزراء إرنا سولبرغ إجازتها لتعود إلى البلاد. «في البداية اعتقدنا أن هناك مبالغة في التعاطي مع التهديدات الإرهابية. لم تشهد بلادنا مثل هذه الإجراءات الأمنية منذ الحرب العالمية الثانية، كما أنها المرة الأولى التي أرى فيها عناصر الأمن يحملون أسلحة نارية»، يقول أويفن لارسون، الموظف الحكومي في مخيم للاجئين. واضاف: «تزامنت هذه التهديدات مع الذكرى السنوية الثالثة لمجزرة جزيرة أوتايا، وهجوم أوسلو الإرهابي الذي صادف 22 تموز الماضي، وذهب ضحيتهما 77 مواطناً بريئاً. ربما هذا ما أعطى تهديدات تنظيم داعش أبعادا مختلفة لدى عموم الشعب النرويجي المسالم»، لكن رئيس أركان الجيش يوهان فريدريكسن قدّم قراءة واضحة وصريحة، عندما عقد مؤتمراً صحافياً، طالب فيه المواطنين «بتوخي الحذر والتبليغ عن أي أنشطة أو حركة غير مألوفة تثير الريبة أو الشك»، موضحاً أنّ العاصمة أوسلو «ربما تكون أكثر المناطق استهدافاً بهذه التهديدات في حال وقوعها». وكشف عن مشاركة 50 مواطناً نرويجياً في القتال إلى جانب الجماعات الإسلامية المسلحة في سوريا، «ربما يكون هؤلاء من يساعد تنظيم داعش أو غيره من الجماعات الإسلامية الإرهابية على ضرب مصالح في الأراضي النرويجية في حال حدوثها».
«أخشى أن يعاد فتح ملفي لدى دائرة الهجرة، أو أن اخضع لرقابة أمنية على تحركاتي وحياتي هنا، لكون أصولي تعود إلى مدينة الرقة السورية، التي تعد معقل تنظيم داعش اليوم»، يقول عبد الرزاق (28 عاماً) اللاجئ السوري الحاصل على لجوء سياسي في النرويج، مشيراً إلى أنّه «يمنع القانون هنا على نحو قاطع أي شكل من أشكال التمييز العنصري مع اللاجئين مهما كانت أصولهم، لكننا نخاف من رد فعل سلبي ما لم تنته قضية التهديدات الإرهابية هذه بسرعة. يبدو أن داعش لعنة شيطانية تطاردنا أينما ذهبنا على هذا الكوكب».