«الحب لعبة خاسرة»، كتبت آيمي واينهاوس (1983 ــ 2011). وخسارة الفنانة البريطانية الشقية لا تنقضِ ببضع جرعات هيرويين. سنعرف لاحقاً أن أغنية «الحب لعبة خاسرة» لم تكن سوى مانيفيستو موتها الذي لا يزال ضبابياً منذ رحيلها بعد ظهر السبت ٢٣ حزيران (يونيو) 2011. الأغنية واحدة من ألبومها «باك تو بلاك» (2006) الميلانكولي الذي بعثته علاقتها الملعونة بشاب «سيء السمعة» (كما كانت تلقبه الصحافة) يدعى بلايك فيلدر ــ سيفيل. عام 2005 تعرّفت آيمي إلى بلايك في حانة The Champion في لندن، وكانت قد أطلقت ألبوماً واحداً بعنوان «فرانك» (2003). نشأ تلك الليلة غرام قاتم، سيشكّل إحدى أقسى علاقات المشاهير في القرن الحادي والعشرين بين شاب بريطاني وظاهرة فنية استثنائية. قاد الثنائي حبهما بجنون، جنح بتطرفه نحو تجاوز «الخطوط الحمر» المتعارف عليها قانونياً. تزوّجا عام 2007، في ميامي، رغم رفض عائلتيهما. في 2009 انفصلا مرغمين، ليتواعد مجدداً عام 2010. علاقة شهدت انهيارات وإدماناً وإنقطاعات وكوما وسجناً ومراكز لإعادة التأهيل، رافقتها مادة بصرية وافرة بعدسات الباباراتزي التي راحت تتعقّب العشيقين، حتى نالت من أكثر لحظاتهما خصوصية وتطرفاً.
رأينا الأبيض على أنفها وهي تتناول الكوكايين، ولسانها يلعق الحبوب المخدرة من فم بلايك. بعد ثلاثة أشهر من زواجهما، راحت الأمور تتدهور. احدى الصور اظهرتهما خارجين من فندق في لندن عام 2007 مضرجين بالدماء؛ وجه وصدر بلايك وقدمي آيمي. تصدرت الصورة أغلفة المجلات التي توقعت أنها ناتجة من أذية للنفس، بينما أكدت المغنية أن بلايك كان يحاول منعها من الانتحار. اخترع الثنائي تجسيداً خاصاً للألوان، بعيداً عن ترميزات الحب النمطية؛ الأحمر لون الدم الذي خرج من الجسد فعلياً لا مجازياً، والأسود للهيرويين الذي غنته «سأعود إلى الأسود». واللونين معاً سيطبعان سنواتهما. وهما ــ للمصادفة ــ لونا الغطاء الأحمر القاتم الذي لف جسدها، بعد موتها. وبرغم إعلان بلايك، في مقابلات عدة، أنه أدخلها عالم المخدرات، إلا أن آيمي كانت تبدي ميلاً داخلياً فطرياً لتبني هذا العالم المدمّر. لامها الجميع، أولهم والدها، فجاء ردها حاسماً: «لا أريد دخول مركز إعادة التأهيل». في عالمها، عاشت آيمي على هامش صخب الشهرة العالمية، رغم خمس جوائز «غرامي»، نالتها عن ألبومها «باك تو بلاك». على الخشبة، كانت تخاطب جمهورها بالهشاشة وباضطراباتها وخيباتها وقيئها دون رحمة. هكذا كان يقول صوتها الفائض، الذي خدش بشفافيته الرومانسيات المثالية، وسخر من ميوعة كلمات الأغنيات. لقد تساءل الجميع كيف كان لهذا الصوت أن يخرج، رغم كل شيء؟ كيف كان قادراً على الاستمرار؟ إلى أن جاء، فعلاً، اليوم الذي خفت فيه على المسرح في بلغراد. كانت إطلالتها الأخيرة قبل وفاتها. لم يفلح رأسها حينها في تذكّر الكلمات ولم يساعدها صوتها كذلك، بسبب إفراطها بشرب الكحول. رمت المايكروفون وغادرت باكية بعد صيحات الجمهور. على خطى جيمي هيندريكس وجانيس جوبلين وجيم موريسون وغيرهم، قامرت على موهبتها وحياتها، وركلت الشهرة كما ركلها هؤلاء، قبلها، على الخشبة. واجهتها، معظم الأحيان، بسراويلها الضيقة، وجسدها الهزيل وكحلها وشعرها المستوحى من فتيات فرق «السول» في السيتينيات.
علاقة ساحقة، كانت تنذر منذ البداية أنها لن تنتهي سوى بالموت. «لم تحب غيره» قال مقربون من إيمي. هذا الرجل «سيء السمعة»، ألم يكن يعكس سوى داخل الفنانة؟ بالطبع، لم تكتفِ الشابة بتصدعات الحب، ولم تطمح للخروج منه «أقوى». في السابعة والعشرين، أعدمت قلبها. استنفدت جسدها حتى انفاسها الأخيرة. قال الأطباء إن قنينتي فودكا عجّلتا خروجها. إنه الانتحار المجيد.