لم يكن بالإمكان الحديث عن الازمات المالية في الرياضة اللبنانية من دون التوقف أو الانطلاق من كرة القدم. تلك اللعبة التي عاشت غالبية أنديتها من «فلس الأرملة» في المواسم القريبة الماضية، حيث بات من الصعوبة عليها تأمين ميزانياتها، اعتادت الخضات ومن ثم النهوض.هي عرفت وضعاً استثنائياً بتجميد نشاطها منذ تشرين الاول الماضي، ومن ثم أطل وباء «كورونا» ليقضي على ما تبقّى من آمالٍ لاستئناف الموسم الذي انتهى عملياً قبل ان يبدأ، حيث لم تمضِ مراحل معدودة على انطلاق مرحلة الذهاب حتى خرج قرار الإيقاف الرسمي للمنافسات من دون عودة.
في تلك الفترة حاولت الأندية التعويض عبر مباريات ودورات وديّة بقدر ما سمح الوضع الأمني بإقامتها. لكن وفي زمن الـ"كورونا" اختلفت الأمور، إذ صحيّاً بات من المستحيل إقامة حصة تدريبية بسيطة حتى، وأصبح اللاعبون يعيشون في فراغٍ رهيب بحثوا خلاله عن الطرق الفضلى للبقاء في أجواء الرياضة، ولإبقاء التواصل مع القاعدة الشعبية الكروية.
وبما أن هذا الزمن هو زمن المساعدات والمبادرات والتضامن، شعر الكل بالمسؤولية الوطنية، انطلاقاً من تبرعات قام بها رؤساء أدية لمساعدة المحتاجين ومواكبة عمل الجسم الطبي ودعمه. ومن ثم انسحبت هذه المسؤولية على الاندية التي شعرت بواجبٍ وطني تجاه ما يحصل، فكان نادي النجمة مبادراً عندما اعلن رئيسه اسعد صقال انه يضع ملعب النادي في تصرّف الحكومة اللبنانية في حال احتاجت الى مساحةٍ لإيواء المصابين والمتضررين من جراء الفيروس المستجد.
خطوةٌ تأتي على صورة تلك التي قامت بها أندية عديدة حول العالم، وتحديداً في اوروبا، حيث قدّمت ملاعبها وفنادقها ومقارها خدمةً للمجتمع، ففي نهاية المطاف تحمل الاندية الرياضية رسالةً اجتماعية ايضاً.
هي الرسالة التي دفعت نادي الشباب الغازية الى إطلاق مبادرة هي الاولى من نوعها على الساحة المحلية من خلال توزيع حصص غذائية في البلدة الجنوبية. مبادرة هذا النادي تعدّ استثنائية لأسبابٍ عديدة، أولها أن عدداً من لاعبيه وأعضاء في الادارة (حوالى 15 شخصاً) تطوّعوا لتوزيع الحصص على أهالي الغازية وعدد من الرياضيين في البلدة التي تضم أكثر من 50 ألف نسمة. أضف ان هذه المبادرة تأتي في زمنٍ صعب عاشه النادي الذي لم يكن راغباً ضمنياً في عودة الموسم، بسبب معرفته مسبقاً بأنه سيعاني لإيجاد التمويل، بعد الازمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد.
تطوّع عددٌ من لاعبي الغازية والإداريين لتوزيع المساعدات على المحتاجين


ويشرح أمين سر الشباب الغازية علي حسون في اتصالٍ مع «الأخبار» كيفية تأمين هذه المساعدات، قائلاً: «لقد شعر الكل بالمسؤولية بحُكم معرفتهم بالواقع المعيشي في البلدة. وبما ان النشاط متوقّف، كان لا بدّ من إبقاء روح المجموعة عبر خلق نشاطٍ من نوعٍ آخر، وهو تقديم الحصص الغذائية لمن هم بحاجة اليها». ويتابع: «المساهمة كانت واسعة من مغتربين أرادوا الوقوف الى جانب أبناء منطقتهم في هذه الظروف الصعبة التي يعيشونها، ونحن تلقفنا هذه المساهمة وظهّرناها بالشكل الذي نراه مناسباً، وبحيث يمكننا خدمة مجتمعنا ومحيطنا».
ومما لا شك فيه أن مبادرة الغازية التي ستستمر ما دام هناك استمرار في الدعم والتبرّع لتحريك محركها، ستفتح الباب أمام أندية رياضية أخرى في لبنان من خلال تحفيزها للمساعدة قدر المستطاع، وذلك من خلال استفادة كل نادٍ من قاعدته الشعبية التي قد تضمّ أشخاصاً بحاجة إلى المساعدة، لكن أيضاً هناك أشخاص جاهزون لتقديم الدعم قدر المستطاع.

اللاعبون في الميدان
وبالحديث عن المغتربين، أطلّ لاعب السلام زغرتا والنجمة السابق عمر زين الدين من المهجر حيث يقيم في بلجيكا حالياً، ليطلق مبادرة تهدف الى مساعدة المحتاجين في الضنيّة.
ويقول زين الدين عن مبادرته: «تواصلت مع زملاءٍ لي في لبنان لجمع مبلغٍ من المال، لكن في الحقيقة بدا أن من الصعب عليهم المساعدة، وأنا أتفهم هذا الامر، إذ هم في نهاية المطاف من دون عمل ومن دون رواتب في الوقت الحالي، وربما يحتاج بعضهم الى المساعدة أصلاً». ويضيف: «من هنا تحوّلت المبادرة الى عائلية، وهي تشمل قريتنا في الضنيّة، وذلك من خلال تأمين حصص غذائية وتوصيلها الى الاشخاص الذين يعانون من الاوضاع المعيشية حالياً، وذلك من خلال أشخاص تبرّعوا بقيمة ثلاث حصص على الاقل».
ومن الفراغ القاتل في الحجر المنزلي، خرج لاعب الاهلي صيدا السابق مصطفى جمال ليطلق مبادرة تشغله وتفيد من هم بحاجةٍ في هذه الظروف الاستثنائية. وتمحورت المبادرة حول تبرّع الاشخاص الذين يقوم بتسميتهم في تحدٍّ خاص بتحويل دولارات الى رقمَي خلوي على أن يتمّ صرف المبلغ لاحقاً لشراء حصص غذائية.

أطلق نادي الشباب الغازية مبادرة هي الأولى من نوعها على الساحة المحلية (كريم السيّد)

ويقول جمال: «الامر الجميل ان هذه المبادرة التي عاد واقتبسها البعض على نطاقٍ واسع، لقيت ترحيباً من نجومٍ عديدين في كرة القدم اللبنانية، حيث وضعوا مقاطع فيديو تحدّوا بها غيرهم للسير على الخطى نفسها». ولفت الى ان بعض الاشخاص الذين يجهل هويتهم تجاوبوا ايضاً مع الدعوات ودخلوا الى الموقع الالكتروني الخاص بشركتَي الخلوي حيث قاموا بتحويل مبالغ لافتة ستساعد من دون شك في تقوية الحملة.
ويختم جمال مؤكداً أن مبادرته هذه ستترجم على الارض في مناطق لبنانية مختلفة، لا في صيدا حصراً، وذلك من خلال التعاون والتنسيق مع بعض الجمعيات الخيرية وأصحاب المبادرات السابقة الذين زوّدوه بلوائح تحمل اسماء كل المحتاجين.
إذاً هي كرة القدم مجدداً في ساحة تحدي الصعاب، وفي لبنان تلتقي اللعبة مجدداً مع الوصف العالمي لها، والذي ترجمه رئيس الاتحاد الدولي السويسري جياني انفانتينو أخيراً بقوله: «لعبتنا سلاح إضافي في يد العالم لمحاربة الوباء والقضاء عليه».