الطموح لا يقاوم في كرة القدم، إلا أن النجاح مُكلف. من ناد كان لا يحصل على المساعدات الكافية من وزارة الشباب والرياضة، إلى ناد موجود على لائحة الأندية المعتمَدة في الوزارة. طموح الأهلي النبطية، الدرجة الأولى، ولكن مجرّد الصمود والبقاء في الدرجة الثانية رغم الظروف الصعبة هو إنجاز، يقول رئيس النادي محمد بيطار في حديث مع «الأخبار».لا يمكن تحميل نادي الأهلي وحده مسؤولية التأخر عن الوصول إلى الدوري الممتاز. حتى اليوم، لم يصل أيّ من الأندية في محافظة النبطية إلى الدرجة الأولى. الأسباب كثيرة، أهمها التركيبات والمحسوبيّات، والإمكانات الماديّة أيضاً. يرى البعض أن هناك تريّثاً وتخوّفاً من الصعود إلى الإولى، بسبب العجز عن تأمين موازنة والبقاء تحت الأضواء، «القيّمون عليه يتهيّبون الصعود لأنهم يعتبرون الوصول مغامرة»، ومعظم اللاعبين يتوجّهون نحو الفرق الجنوبية الأولى (التضامن صور والشباب الغازية) أو التي سبق لها أن وصلت إلى الأولى (الأهلي صيدا والإصلاح برج الشمالي)، يعلق أحد المشجعين من أبناء المدينة. يناشد محبو النادي الفعاليات ونواب المنطقة واتحاد بلديات الشقيف وبلدية النبطية لدعم النادي الذي يضمّ لاعبي المدينة والمنطقة، كي لا يغرق.

درب النضال طويل طويل!
في بداية الستينيّات، تأسّس نادي الأهلي النبطية. شُكلت هيئة تأسيسيّة من أبناء المدينة، وقوننت وضعه ليحصل على ترخيص جمعيّة ومن ثم افتتح باب الانتساب للهيئة العامة، التي انتخبت هيئة إدارية. أكثر من هيئة قادت النادي، وبحسب كلام الرئيس محمد بيطار كان لكل منها، «بصمة إيجابية في تحسين وتطوير النادي».
في أواسط السبعينات انتسب الأهلي إلى عائلة الاتحاد اللبناني لكرة القدم، وبدأ اللعب في بطولة المحافظات ومن ثم تدرّج من الرابعة إلى الثالثة وصولاً إلى الدرجة الثانية، وما زال محافظاً على مكانه. الكثير من اللاعبين الموهوبين الذين لمع نجمهم في الأندية والمنتخب، تخرّجوا من نادي الأهلي النبطية، بينهم محمد صفا في النجمة (في العهد الذهبي للنادي بقيادة المدرب الجزائري رشيد مخلوفي)، اللاعب حسن الطحطح الملقب بـ«الديك»، من الحكمة إلى الأنصار، إلى الأهلي صيدا. وحراس مرمى، رشيد نصار، رامي إيراني، محمد معتوق، واللاعب الموهوب علي حديد الذي انتقل إلى العهد، وغيرهم الكثير.
في أواخر القرن التاسع عشر، قدّم نادي الأهلي النبطية أداءً جيداً، وكان أول من وصل إلى الدرجة الثانية في محافظة النبطية. ومن حلاوة التنافس، وصلت بعده أندية التضامن النبطية وحاروف، والفجر زفتا (الفجر عربصاليم حالياً). كل تلك الأندية هبطت إلى الثالثة والرابعة، أما الأهلي النبطية، والذي كان قريباً من الصعود مرات عدة إلى الأولى، بقي يلعب في الدرجة الثانية.
عام 2000 أصبح للنادي ملعبه الخاص. يقول بيطار إنه عام 1998، قدّمت بلدية النبطية للنادي قطعة أرض جبلية صخرية وعرة في منطقة كفرجوز، يصعب الوصول إليها، «بالإرادة والتصميم تمكنت الهيئة الإدارية من تذليل العقبات، وبمتابعة واهتمام سياسي افتُتح الملعب عام 2000». ملعب مزروع بالعشب، مدرجات شرقية، إنارة، بالإضافة إلى بعض الغرف.
يلعب نادي الأهلي النبطية في دوري الدرجة الثانية منذ وقت طويل جداً


عام 2010 كُلّف بيطار برئاسة الهيئة الإدارية للنادي. أعيد تكلفيه مرتين، مع تعديل في بعض أسماء الهيئة. كانت أولى الخطوات، بحسب بيطار «العمل على تأهيل المنشأة والملعب وتدعيم صفوف الفريق بلاعبي خبرة، بالإضافة إلى عنصر الشباب واستقدام مدرّب يستطيع أن يعدّل الأداء وتأمين التجهيزات. ووضع خارطة طريق تبيّن الأهداف كافة التي تمّ الاتفاق عليها في تطوير وإنماء الحجر والبشر، والعمل على افتتاح أكاديمية رياضية، لتعليم أصول كرة القدم للفئات العمرية». على المقلب الآخر، هناك انقسام بين بعض الإداريين حول التمسّك برئيس النادي من عدمه. «آن الأوان للتغيير، فهو لا يحظى بشعبية كبيرة في النبطية، بالإضافة إلى طريقة تعاطيه الحادّة مع اللاعبين والتي كانت محطّ انتقاد»، وذلك بحسب ما تقول بعض المصادر المتابعة لشؤون النادي. والجدير بالذكر أيضاً أنه خلال السنوات القليلة الماضية، تم العمل على تطوير المنشأة وتحسينها وأضيف إلى المعلب بعض الغرف، وبعض المدرجات، وبات يستقبل المباريات في مختلف الدرجات.

التمويل سياسي
عادة يسمّى دوري الدرجة الثانية بدوري المظاليم. هذه الدرجة تضمّ فرقاً كبيرة دار عليها الزمن فهبطت من الأولى، وتسعى إلى العودة. «المنافسة في الدرجة الثانية ليست سهلة»، يعلّق أبو حيدر، وهو لاعب سابق. الفرق تكاد تتساوى في المستوى، فيما يحمّل بعض هذه الأندية الاتحاد اللبناني لكرة القدم مسؤولية تراجع اللعبة في الدرجتين الثانية والثالثة.
منذ 60 عاماً، خُصّصت ميزانية ضئيلة لكرة القدم. ترزح معظم أندية الدرجة الثانية تحت وطأة الأزمات المالية، وتعاني من خطر الهبوط إلى الدرجات الأدنى، والتمويل بأغلبه سياسي. تخصّص بلدية النبطية التحتا نحو خمسة ملايين ليرة لنادي الأهلي في السنة. مصادر متابعة للنادي تعتبر أن هذا المبلغ غير كاف، على اعتبار أن نادي البراعم النبطية الذي يلعب في الدرجة الخامسة، يحصل أيضا على خمسة ملايين ليرة، «فريق يلعب 24 مباراة ذهاباً وإياباً، فيما لا تتجاوز مباريات البراعم سبع مباريات»، فهذا أمر مجحف، يقول المصدر. وبحسب المصادر فإن ميزانية النادي لا تتعدّى الـ100 ألف دولار في السنة، فيما ميزانيات بعض أندية الدرجة الأولى تصل إلى ملايين الدولارات. المنافسة صعبة، والمشروع كبير.
هذا الموسم، واجه الأهلي النبطية صعوبات مالية، وكان أمام تحدٍّ كبير، إما الاستسلام والسقوط وإما تحمل الصعاب والثبات، يقول بيطار «كان القرار بتحمّل مسؤولية أكثر، وبتقديم جهد أكبر للبحث عن مصادر تمويل لدعم صندوق النادي»، بعد أن شحّت المساعدات بفعل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها البلد، كون جميع المساهمين والداعمين هم من المغتربين، فيما التجار المحلين لم يعد باستطاعتهم تقديم المساعدة بسبب توقف أعمالهم، إذ توقّف نحو عشرين تاجراً في النبطية، عن دعم النادي بسبب الضائقة الاقتصادية.

النادي يعاني مادياً منذ زمن

يقول رئيس النادي: «نزلنا إلى الشارع لجمع التبرعات من أبناء المدينة». ولا يخفي بيطار أنه «كان لمكتب الشباب والرياضة في حركة أمل الدور الكبير في إنقاذ النادي» بعد تأمين قسم من الموازنة. يتساءل بعض أبناء المدينة، «ناد مثل نادي الأهلي النبطية مع تاريخ مدينة النبطية العريق، وما تحتضنه من سياسيين ورجال أعمال، من المعيب أن يبقى في الدرجة الثانية. أين الدعم السياسي الذي يتغنون به». يقارن بعض أهل النبطية نادي الأهلي بالشباب الغازية، «بلدة صغيرة تفوقها مدينة النبطية بكلّ الإمكانيات من ملاعب وأموال، وها هو اليوم ينافس في الأولى». وحتى أنه في الفترة الماضية توقف بعض الداعمين عن مساعدة النادي على خلفيات انتخابية وسياسية.
يُذكر أن هناك بعض الفعاليات تساهم في دعم صندوق النادي من أبناء المنطقة، وبحسب بيطار «هذا ليس بكاف، وهذا ما نعاني وغيرنا من الأندية منه». يدعو بيطار القطاعات المصرفية والهيئات الاقتصادية الكبرى ووزارة الشباب والرياضة إلى رعاية الأندية الرياضية والشبابية لكي تستمر. يقول: «نحن في منطقة تختزن الكثير من المغتربين والفعاليات، ونستطيع أن نصل بعيداً في عالم الكرة». لا يمكن لهذه الأندية أن تعطي وتستمر في ظلّ الوضع الاقتصادي المتردي ولم تعد مجدية الرعاية الفردية للأندية، أي رعاية الجيب الواحدة (الشخص الواحد)، فيما إذا بقي الحال على ما هو عليه سيتأثر هذا القطاع الشبابي والرياضي سلباً، وسينعكس سلباً أيضاً على المجتمع ككل، «هدفنا الوصول إلى أعلى مستويات، لأن النبطية يجب أن تكون موجودة في كلّ المحافل، الرياضية والثقافية والفنية، لأنه لا يكفي أن نقول إن النبطية هي مدينة العلم، بل يجب أن نحقق ذلك في الواقع»، يختم بيطار حديثه للأخبار.
وكما هو الحال في الأهلي النبطية، كذلك العديد من الأندية في لبنان وفي جميع المحافظات ومختلف الدرجات، معاناة ماديّة وإدارية، واللعبة لا تُعطى حقها من إدارتها المقصّرة بمتابعة جميع الأندية والملفات.