أربع مدن تستضيف بطولة كأس الأمم الأفريقية في مصر. أعدادٌ غفيرةٌ من الجماهير يتوقّع منظمو البطولة أن تتابع المباريات في الملاعب الستة، وذلك يأتي فجأةً بعد منع حضور الجمهور في الملاعب المصرية لسنوات، وعودته هذا الموسم تدريجياً. على الرغم من أن مجموعات الألتراس المحظورة في مصر أعلنت عدم حضورها في البطولة، ودعت إلى مقاطعتها، إلا أن الأغنية التي صدرت عنها أخيراً أثارت مخاوف الأجهزة الأمنية، التي ستقوم بإجراءاتٍ مشدّدة تحسّباً لرفع لافتات دعم للألتراس أو مناهضةٍ للسلطة. وهي الأجهزة ذاتها التي منعت الألتراس على مدى السنوات وحاولت تفكيكه. هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، اشتكت الجماهير المصرية من ارتفاع أسعار التذاكر، وانضمّ إليها عددٌ من نجوم اللعبة، رافضين محاولة حصر الحضور على المدرجات بطبقة معيّنة من المجتمع، وسط تخوّفٍ من المنظمين بانعكاس هذا الأمر على الحضور الجماهيري خاصةً في المباريات التي لا يشارك فيها المنتخب المصري.ثمّة فترة زمنية بدأت قبل الألفية الجديدة، تغيّر فيها الشارع المصري بشكلٍ عام، حتى وصل إلى مكان مختلف تماماً عما كان عليه سابقاً، وبتعبير آخر، مصر «أم الدنيا» تغيّرت. ضمن الإطار الرياضي، بدأت الأمور تتغيّر فعلياً مع انطلاق الثورة عام 2011 ودور الألتراس في إسقاط نظام حسني مبارك، وتخوّف النظام الجديد من الجمهور حتّى وقوع مذبحة بور سعيد التي تلتها أحداث ستاد الدفاع الجوي، ومنع المشجعين من الدخول إلى الملاعب. الجماهير اعتبرت أن النظام يستخدم كرة القدم في مصر لإلهاء الشعب عمّا يدور حوله من أزمات اقتصادية واجتماعية ومشكلات دينية، وهو ما عبّروا عنه على المدرجات، قبل أن يُمنع حضور الجماهير في الملاعب، وتُجبر مجموعات الألتراس على حلّ مجموعاتها بعد اعتقال قادتها وبعض أعضائها، خاصةً أنها صُنّفت كواحدة من أكثر المجموعات تنظيماً في مصر. عموماً، حين يغنّي الآلاف في الملاعب «يا حكومة بكرا هتعرفي.. بإدين الشعب هتنضفي»، فهذا يعني أن التهديد صار حقيقياً. الجمهور المصري نقل معاناته إلى المدرج، الذي وجد فيه متنفسّاً للتعبير عن نفسه، وعن همومه، ولكن الأمر لم يعجب الشرطة، التي فعلت ما تفعله الشرطة عادة.
في الأغنية الأخيرة الصادرة عن مجموعات الألتراس، الخاصة ببطولة الأمم الأفريقية، كلماتٌ تثير مخاوف الأجهزة الأمنية. «هنقول كلمتنا للتاريخ والإنسانية.. قرّب وشوف الخوف بيحرق جمهورية». الألتراس، يُشير في الأغنية إلى حقّه في التشجيع والرجوع إلى المدرجات، في حين أن السلطات الأمنية اعتقلت نحو 30 مشجعاً في الأسابيع الماضية، كما حُكم على بعضهم بالسجن بتهمة المشاركة في إعادة إحياء رابطة «ألتراس أهلاوي»، واتهموا في المشاركة والتأسيس لجماعة إرهابية.
اعتقلت السلطات الأمنية نحو 30 مشجعاً في الأسابيع الماضية


المشكلة لدى قوى الأمن، لن تكون في التعرّف إلى الوجوه المحليّة المعروفة بين المشجعين، بل في الزوّار، من الجزائر والمغرب وتونس، فهؤلاء، يشاركون مجموعات الألتراس في مصر الفكر عينه، وقد يكون لهم رسائل في الملاعب المصرية، على الرغم من مخاطر الإقدام على مساندة مجموعات الألتراس المصري، كما حصل مع ألتراس «سوبرنوفا» اللبناني، حين اعتُقل أعضاؤه في الإسكندرية. التعليقات على الأغنية عبر منصات التواصل الاجتماعي جاءت مشابهةً لبعضها، بل مكرّرة في الكثير من الأحيان، وتشير إلى التضامن مع الألتراس في مصر، وإلى أنهم «ليسوا لوحدهم». هذا الأمر يعني إجراءات أمنية مشدّدة لضمان عدم إدخال لافتات تضامن مع الجماهير المصرية، أو مناهِضة للأمن والنظام والرئيس. أغنية الألتراس المصري التي تحمل عنوان «يا سامع كلامنا يا الله»، شُبّهت بالأغنية التي أطلقها جمهور الرجاء البيضاوي المغربي «في بلادي ظلموني». مجموعات الألتراس، العربية منها خاصةً، تتشارك الأفكار عينها، وتُشير دائماً إلى قمع السلطة للشعب.

كرة للأغنياء فقط
على المقلب الآخر، احتجت الجماهير على أسعار التذاكر التي حُدّدت لمباريات البطولة الأفريقية عموماً، ومباريات المنتخب المصري خاصةً. تذكرة الدرجة الثالثة في مباريات المنتخب المضيف تبدأ من 150 جنيه (9 دولارات)، كانت خُفضّت من 200 جنيه (12 دولاراً)، وصولاً إلى 600 جنيه للدرجة الأولى (36 دولاراً)، وترتفع أكثر للمقصورة الرئيسية. هذا الأمر اعتبره الشارع الكروي محاولة لإبعاد المشجعين من الطبقة الفقيرة عن الملاعب، كما هو الحال أساساً في السنوات الأخيرة، وحصر الحضور بالطبقة المتوسطة في الدرجتين الثالثة والثانية. نجم الكرة المصري أحمد حسام «ميدو» سأل عبر حسابه الشخصي على «تويتر»، عن ما إذا «أصبحت كرة القدم لعبة الأغنياء في مصر؟» معتبراً أن الفرد لن يدفع 35% من مدخوله الشهري (كان الحد الأدنى للأجور في مصر يبلغ 1200 جنيه (69 دولاراً) شهرياً، لكنه رُفع إلى ألفي جنيه (115 دولاراً) في آذار/مارس الماضي) لمشاهدة مباريات المنتخب الثلاث في دور المجموعات، مطالباً وزير الشباب والرياضة تعديل أسعار الدرجة الثالثة، ومعتبراً أن «كرة القدم هي لعبة الفقراء (...) ممن يمارسونها ويتابعونها ويشجعونها». نجم المنتخب الأول محمد صلاح، علّق على هذا الموضوع بشكلٍ غير مباشر، حين قال للممثل محمود البزاوي، «أوعى تفكر تقعد مقصورة»، بعد تغريدة كتبها الأخير، «يعني لو واخد ابني معايا هأقعد في الدرجة التالتة وهادفع 800 جنيه مثلاً، ومطلوب مني وأنا خارج أدعي للمنتخب»، كما انتشر «هاشتاغ»، «خليها فاضية» تعبيراً عن رفض المشجعين لرفع أسعار التذاكر.
الأكيد أن الملاعب ستضجّ بالمشجعين على الرغم من مقاطعة بعضهم للبطولة، ففي بلد المئة مليون تشجيع المنتخب واجب، والبطولة الأفريقية فرصة للعودة إلى المدرجات بأعدادٍ كبيرة، إلا أن قضية محاربة مجموعات الألتراس من جهة، ورفع أسعار التذاكر من جهةٍ أخرى، ترسم علامات استفهامٍ حول علاقة السلطة المصرية والقوى الأمنية مع الجماهير.