لا بدّ من عودة الجمهور. هذا ما يتفق عليه الكل في اوساط كرة القدم اللبنانية إن كان أولئك الذين يتطلعون الى المباراة المقبلة لمنتخب لبنان أو الذين اشتاقوا الى مدرجات الملاعب في الدرجات المختلفة.الواقع أن الجمهور لا يغيب حالياً في الكثير من الملاعب لكن قراراً رسمياً يشرّع عملية دخول الملاعب بات أمراً ضرورياً لأنه سيشجّع ببساطة الكثيرين لإعادة الارتباط بالمدرجات وبفِرَقهم قبل أن يعتادوا على رؤيتها من خلف الشاشة حصراً.
قرارٌ يريح أيضاً المسؤولين عن الأبواب الذين يتعرّضون لضغوطٍ من إداريين وأحياناً من مشجعين يريدون مواكبة فرقهم من داخل الملعب، وهي أمور تحدث بصراحة، اذ ان بعض المباريات وخصوصاً تلك التي ترتبط بالفرق الشعبية تشهد حضوراً للمشجعين الذين يتصرّفون بشكلٍ طبيعي، فيجلسون سويّاً، ويحتفلون بالأهداف، ويعترضون على صافرة تحكيمية من هنا وأخرى من هناك تماماً كما حصل في ختام مباراة النجمة والبرج على مجمع الرئيس فؤاد شهاب الرياضي في جونية على سبيل المثال لا الحصر.
الواقع ان اعداد هؤلاء ليست كبيرة لكنهم يضفون جوّاً محبباً الى المباريات اشتاق له الجميع، بحيث يبدو من المجحف ابعادهم عن المدرجات وهم الذين يملكون شغفاً غير طبيعي يدفعهم الى قطع المسافات غير آبهين بأزمة المحروقات أو غلائها، وغير مكترثين لإمكانية غلق الابواب في وجههم لدى وصولهم وبالتالي احتمال متابعتهم المباريات من الطرقات المطلّة على الملاعب.
هو ظلمٌ طبعاً ان لا يتمّ تقدير مجهود هؤلاء، وتالياً ان دخولهم الى الملعب غير مخالف لأي قوانين أو اجراءات لان حبّهم للعبة والمجهود الذي يقومون به يفوق بكل تأكيد أي قرارٍ منتهية صلاحيته. كما هو ظلمٌ مضرّ باللعبة التي عانت الأمرّين في كل مرة أُبعد فيها الجمهور عنها لأسبابٍ أو لأخرى، وقد خسرت باعتراف الجميع جزءاً كبيراً من مشجعيها بعد تلك المباراة الشهيرة التي جمعت بين منتخبي لبنان والكويت (1-1) على ملعب بيروت البلدي في 22 شباط 2006، وعكست جوّاً بشعاً للشارع اللبناني، فكانت ارتداداتها قاسية على اللعبة الشعبية الأولى، فدفعت ثمناً غالياً تعاني من آثاره حتى يومنا هذا.

الدولة الغائبة
هي قرارات الدولة اللبنانية بطبيعة الحال التي لم تواكب حتى الآن عودة الحياة الطبيعية الى ملاعب الرياضة العالمية حيث عادت أوروبا، التي كانت في الفترة نفسها من السنة الماضية بؤرة وباء «كورونا»، لتستقبل الجمهور مع سير عمليات التلقيح بشكلٍ موازٍ ووضع أطرٍ مرتبطة بالمرحلة الجديدة، وذلك لكي لا تخسر الملاعب رونقها والالعاب قيمتها وعائداتها المالية.
لكن هنا في لبنان الوضع مختلف، اذ كما نسيت الدولة سابقاً الرياضة في ما خصّ دعم القطاعات او العمل على اعادتها بعد المعاناة مع «كورونا»، نسيتها ايضاً في مرحلة تخفيف الاجراءات او اعادة الفتح، ما يجعل اي قرارٍ لأي اتحادٍ كان امراً مشروعاً لانقاذ الرياضات من الموت السريري وهي التي تقاتل يومياً للبقاء على قيد الحياة في ظل شحّ الموارد المالية التي كانت تعيش عليها.
ومع الاقتراب اكثر من المباراة المرتقبة لمنتخب لبنان امام ضيفه منتخب ايران في 12 تشرين الثاني المقبل ضمن الدور الحاسم المؤهل الى نهائيات كأس العالم 2022 في قطر، تطلّ بقعة ضوء وبارقة أمل بإمكانية رؤية المشجعين باللون الاحمر في مدرجات ملعب صيدا البلدي، وذلك من خلال مساعٍ واتصالات قام بها الاتحاد على اعلى المستويات من اجل فتح ابواب الملعب امام اللبنانيين المتحمسين اليوم اكثر من اي وقتٍ مضى لمواكبة منتخبهم بعدما حرّك فيهم الحسّ الوطني من خلال النتائج اللافتة التي يحققها في هذه التصفيات، وآخرها كان الفوز على منتخب سوريا (3-2) في الجولة الماضية.
يتجه سعر بطاقة المباراة نحو الارتفاع إلى 20 ألف ليرة إيذاناً بعودة المشجعين


وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن وزير الشباب والرياضة الجديد جورج كلاس لا يمانع عودة الجمهور ويدعم الفكرة التي في حال اقرارها رسمياً سيسمح بدخول المشجعين الى المدرجات بسعة لا تزيد عن الـ 60 في المئة. لكن مصادر متابعة لعملية التعبئة الجماهيرية قالت إنها أخطرت الاتحاد رسمياً بأنها قد تحتاج الى رفع هذه النسبة بزيادة 20 في المئة بعدما لمست من خلال احصاءاتها تجاوباً كبيراً في ما خصّ الاقبال الجماهيري المرتقب في صيدا يوم المباراة المفصلية لمنتخبنا.

(موقع الاتحاد اللبناني لكرة القدم)


الدوري بانتظار رواده
مصدرٌ قريبٌ من دوائر القرار لم يخفِ ايضاً في حديثٍ الى «الأخبار» بأن هذه المناسبة بالتحديد ستكون مقدّمة لعودة الجمهور الى ملاعب البطولات الاتحادية في الفترة المقبلة، مشيراً الى ان الامور لن تكون خارج السيطرة لان بعض المباريات لا تشهد أصلاً حضوراً كثيفاً اذا لم تكن مرتبطة بالفرق صاحبة الشعبية الكبيرة او لم تكن تخصّ احد العناوين الكبيرة في بطولة الدرجة الأولى. لكن المصدر نفسه لم يسقط شعوراً عاماً سائداً بأنه رغم الاوضاع المالية الصعبة التي تعصف بلبنان فإن مشجعين كثراً لن يفوتوا الفرصة لمؤازرة فرقهم في المحطات المهمة في مشوار الدوري مع احتدام المنافسة، في وقتٍ لن يشكّل ثمن البطاقة مشكلة حقيقية لان الزيادة في سعرها لن يكون مرعباً كما هو حال زيادة الاسعار في كل مرافق البلاد بل ان سعر التذكرة سيصل الى 20 ألف ليرة مبدئياً بدلاً من الـ 5 آلاف ليرة التي كانت معتمدة لسنواتٍ طويلة.
بكل الأحوال فإن الحماسة تبدو على مستوى الوطن كافةً لمواكبة مواجهة لبنان وايران حيث سيكون للجمهور دور كبير في منح دفعة معنوية مهمة لـ «رجال الأرز» الذين سيقابلون المنتخب الأول آسيوياً ومتصدر المجموعة الأولى في الدور الحاسم للتصفيات. وهذه الحماسة بدت واضحة من خلال الحملة الوطنية التي أُطلقت لدعم المنتخب اللبناني حيث العمل على تأمين نقليات مجانية من كل المحافظات اللبنانية للمشجعين عبر عدد من المتطوعين والناشطين الذين وصلوا الى اكثر من 80 شخصاً، وهم يعملون على تحديد نقاط تجمع لنقل المشجعين الراغبين بحضور المباراة وعددها 62 نقطة يؤمل ان تتمّ تغطيتها بـ 200 باص على طول الساحل اللبناني والقرى والمناطق حيث سيلعب المتبرعون والمغتربون دوراً كبيراً في انجاحها من خلال صندوق الحملة الذي أُنشئ لجمع الدعم المالي اللازم على أمل ان يكسر تضامن الشعب واداء المنتخب كل الصورة النمطية القاتمة التي يعيشها اللبنانيون في حياتهم اليومية.