إزاء مخطط إسرائيل لتهويد القدس، لا يبدو غريباً أن تكون العنصرية هي سمة ملاعبها في كرة القدم. وبغض النظر عن موقفنا من تمثيل لاعب عربي منتخب إسرائيل مثلاً، فإن ما يهمنا هنا هو تبيان هذه العنصرية
حسن زين الدين
لطالما حاولت إسرائيل أن تبرز «تحضّرها» ووجهها «السلمي» من خلال لعبة كرة القدم، إن عبر بعض «سفرائها» في أوروبا مثل يوسي بن عيون لاعب ليفربول الإنكليزي، أو افرام غرانت مدرب تشلسي السابق، أو حين دعت مثلاً في إحدى المرات النجم البرازيلي رونالدو ليشارك في مباراة «من أجل السلام» مع الفلسطينيين. لكن كرة القدم هذه نفسها، داخل الأراضي المحتلة، ليست إلا صورة مطابقة لجدار الفصل العنصري الذي بنته إسرائيل في وجه الفلسطينيين. إذ إن الخبر الذي نشرته، قبل أقل من شهر، صحيفة «جيروزاليم بوست» عن ترداد مشجعين من فريق بيتار شعارات عنصرية ضد المسلمين والعرب، في المباراة أمام ماكابي بيتا تيكفا، لم يكن وليد لحظته، بل هو امتداد لسلسلة طويلة من الممارسات العنصرية تجاه عرب إسرائيل أو «فلسطينيي 48» كما يعرفون، منذ عام 1970 حين تعرض جيمي تورك، أول لاعب عربي يلعب في ناد إسرائيلي (هابويل تل أبيب)، لحملة عنصرية منظمة.

تقرير «مساواة»

قبل أسابيع عدة، نشر مركز «مساواة»، تقريره السنوي الذي يتطرق فيه للاعتداءات التي يتعرض لها العرب من اليهود داخل إسرائيل، وقد شهد تقريره لعام 2008 ارتفاعاً لافتاً في الاعتداءات العنصرية، حيث احتلّت مدينة القدس المركز الأول على اللائحة، بحصول 32 اعتداءً فيها، وجاءت عكا ثانية بـ22، وتل أبيب ثالثة بـ13 اعتداءً، والتقرير يضيف أن معظم هذه الاعتداءات حدثت في ملاعب كرة القدم، ويلفت إلى أن الاعتداءات «لم تكن وليدة لحظتها، بل هي نتاج تحريض مسبق ضد العرب».

«الموت للعرب»

تشير معظم التقارير الصحافية إلى أن شعار «الموت للعرب» أصبح طاغياً على مشهد ملاعب كرة القدم الإسرائيلية، وأكثر المباريات التي ترافقها هتافات عنصرية هي تلك التي يكون طرفاها إما بيتار جيروزاليم، وهو الفريق الأكثر تطرفاً وعنصرية بين الفرق الإسرائيلية والوحيد الذي يحظر ضم لاعبين عرب، والذي دفع تطرفه المتزايد شركة الاتصالات «سيلكوم» إلى التراجع عن رعايتها له. والفريق الآخر (أي الضحية) هو أبناء سخنين الواقع في منطقة الجليل، الذي يتكوّن بأغلبيته الساحقة من لاعبين عرب ومسلمين.
ومن ضمن سلسلة مواجهاتهما، ردّدت جماهير بيتار، على سبيل المثال، شعارات تعرضت فيها للرسول محمد، خلال مباراة جمعت سخنين وبني يهودا، وذلك قبل انطلاق مباراة بيتار أمام مكابي حيفا، عاقب حينها الاتحاد بيتار بحرمان جماهيره من حضور المباراة اللاحقة، فما كان من المتحدث باسم النادي، أوديد زرغاري، إلا أن شن هجوماً عنيفاً رافضاً القرار بحجة أن «الشعارات التي تطال (الرسول) محمد، توازي شعار «الله أكبر» الذي ترفعه جماهير سخنين»!
وفي حادثة تعود إلى عام 2006، وبعد فوز سخنين على بيتار وتحقيقه لقب إحدى البطولات المحلية، جمعت جماهير بيتار مبلغاً من المال من أجل نشر إعلان في صحيفة «يديعوت أحرونوت» ينعون فيه كرة القدم الإسرائيلية... لمجرد الخسارة أمام فريق عربي.
وفي العام ذاته، وبينما كان المنتخب الإسرائيلي ينافس على التأهل لبطولة كأس العالم في ألمانيا 2006 ردّدت جماهير بيتار خلال مباراته وسخنين شعار: «لا عرب = لا إرهاب»، فما كان من جماهير سخنين إلا الرد بشعار: «لا عرب = لا كأس العالم (في إشارة إلى أهمية اللاعبين العرب في المنتخب الإسرائيلي)».

صغارهم... ككبارهم

هذا الأمر لا يعني أن فرقاً أخرى كمكابي تل أبيب وبني يهودا، تقل شأناً عن بيتار في عنصريتها تجاه العرب. ففي حادثة جرت العام الماضي، اعتدى المئات من أنصار يهودا بالضرب على حافلة تقل جماهير سخنين وهم يرددون: «الموت للعرب»، و«عودوا إلى الأراضي الفلسطينية»، ما أدى إلى إصابة أحد المشجعين بجروح في رأسه.
«هذه مكافأتنا عندما نحقق الفوز» يقول نور غنتوس، مدرب سخنين، وهو يراقب تضميد جراح المشجع المصاب في أحد المستشفيات، ويضيف: «عندما يربحون (اليهود) يكونون هادئين، لكن هذي هي الحال عند خسارتهم. هذا تعبير صريح عن جوهر كرة القدم الإسرائيلية».
من جهته، يقول أحد مشجعي بيتار ويدعى كوهين، بعدما ألقت الشرطة القبض عليه بعد المشاغبات: «لقد قلت الموت للعرب لأن هذا هو الشعور الذي تملكني في تلك الأثناء»، ويضيف: «لا أجد تناقضاً بين أن أردد «النصر لبيتار»، و«الموت للعرب»!
كذلك فإن صغار مشجعي بيتار لا يقلون شأناً في العنصرية عن كبارهم، هكذا يرى ليور مزرعاني (17 عاماً) أن «شعارات العنصرية تجاه العرب ما هي إلا تعبير عن الشعور العام المسيطر».

لاعب يؤرقهم

عنصرية الإسرائيليين اليهود لا تطال جماهير سخنين ولاعبيهم المسلمين فحسب، بل إن أكثر اللاعبين العرب في الفرق الإسرائيلية يتعرضون للإهانة، وهذا ما حصل لللاعب المسيحي في فريق هابويل تل أبيب، سليم طعمة، الذي أنشدت له جماهير بيتار بدوره: «إننا نكرهك يا سليم طعمة، نكره كل العرب».
ما لاقاه طعمة هو غيض من فيض، لما يلاقيه عباس سوان، الذي يُعتبر اللاعب الأكثر كرهاً في الملاعب الإسرائيلية، وهنا قصة أخرى...
إذ كان كافياً بأن يسجل سوان هدف التعادل الحاسم للمنتخب الإسرائيلي في تصفيات كأس العالم 2006 أمام إيرلندا (1ــــ1)، والذي أبقى على حظوظه في التأهل، لأن تنصب حمم العنصرية على لاعب سخنين الموهوب، رغم أنه أفاد منتخبهم، لكن مجرد ارتدائه قميص إسرائيل أثار غضبهم. هكذا، وبعد بضعة أشهر، طالبت الجماهير، سوان، في مباراة ودية أمام كرواتيا، بأن يخلع قميص المنتخب. وفي مباراة أخرى رفعت الجماهير يافطة سوداء كبيرة، كتبت عليها بلوني العلم الإسرائيلي الأزرق والأبيض عبارة: «سوان أنت لا تمثلنا».
في تحليل علمي لظاهرة العنصرية المتفشية في المجتمع الإسرائيلي، يخلص يائير جاليلي، وهو عالم اجتماع إسرائيلي ورئيس قسم دراسات وسائل الإعلام والرياضة في معهد وينغايت في كلية زينمان، إلى «أن كرة القدم تمثل صورة حقيقية عن المجتمع»، ويضيف: «نحن في مجتمع عنفي، ونستطيع ملاحظة ذلك من خلال العنف في كرة القدم».


مفارقات

الفلاشا والأفارقة غير مستثنين من العنصرية


في مجتمع كالكيان الإسرائيلي القائم على تناقضات، يبدو من الطبيعي ألا تقتصر العنصرية في الملاعب على العرب والمسلمين فحسب، بل أن تطال أبناء الديانة الواحدة من ذوي البشرة السمراء من الأثيوبيين (الفلاشا)، أو غيرهم من الأفارقة غير اليهود. هكذا، ترتفع شعارات في الملاعب تتعرض لهؤلاء مثل: «سود قذرون»، و«عودوا إلى أدغالكم». المثير للسخرية أيضاً، أن عنصرية بعض المشجعين في الملاعب الأوروبية تطال لاعبين من فرق منافسة، لكن في إسرائيل لا مانع إن تعرضت الجماهير للاعب في فريقها. هكذا مثلاً، غادر اللاعب الإثيوبي باروش داغو فريقه مكابي تل أبيب، بسبب هتافات مشجعي الفريق العنصرية بحقّه.
في هذا السياق، يتبادر إلى الذهن اللاعب الغاني جون بانتسيل، الذي كان يلعب لأحد الفرق الإسرائيلية، والذي ما زالت الجماهير تذكره جيداً حين تباهى برفع علم إسرائيل خلال مونديال 2006 في ألمانيا، وعندما سئل عن السبب قال: «لرد الجميل للإسرائيليين الذين أحبوني»...لكن بانتسيل نسي حينها، أن يدحض التقارير التي تنشرها الصحف، من وقت لآخر، عن تعرّض أبناء جلدته لعنصرية الإسرائيليين، أو يبدو على الأرجح، أن شرط المكافأة التي حصل عليها، لم يكن يسمح له سوى بنطق هذه الجملة الساذجة!



تفتخر إسرائيل بلاعبها في الخارج بن عيون (صورة 1) فيما تطارد العنصرية العربي سوان (صورة 2) في الداخل