مجرور بالكسرة

  • 0
  • ض
  • ض

لطالما تمنّيت من حكومتنا العتيدة أن تشتغل وفق المنهج البريختي، تكسر الجدار الرابع بيننا وبينها، وتمزّق ستار الخداع الاجتماعي، لنصبح شركاء في صناعة المشهد، ويُصبح كل منَّا بطلاً بدوره. لكنها على ما يبدو، كانت وما زالت تُفضِّل أسلوبية «أنتونان أرتو» في مسرح القسوة، بكل ما يعنيه ذلك من رفض الواقع والتمرُّد عليه بطريقة أقرب إلى السوريالية، لكن من دون أن يكون ذلك لصالحنا، بل في أغلب الأحيان لصالحها هي، فجُلّ ما تفعله ينصبّ على «تكسير عظم» المواطن، لا سيما على الصعيد المعيشي، إذ تتركه يلهث وراء كسرة الخبز إلى الدرجة التي «يشهق فيها وما يلحق»، وكلّما تفنَّنَت في تعذيبه، واستمرأت تكثيف مأساته وتراجيدياته اليومية «يكسر على أنفه بصلة»، لما في ذلك من قدرات إنعاشية. لكن، حتى هذه باتت صعبة عليه نوعاً ما، بعدما بات سعر الكيلو الواحد من البصل 350 ليرة، إلى درجة أنه إن جازف وفعلها، ثم كسر فوقها «كَمْ بيضة»، وفَرَمَ معهم بندورتين، فإنه سيصبح في عِداد المُبَذِّرين «الجظ مظِّيّين»، والمنضوين تحت شعار «فخّار يكسِّر بعضه»، وهذا في عُرْفِ الحكومة من الخطوط الحمر، ومن أكثر المُحرَّمات حُرمةً على المواطن السوري. فكل شيء «يمنح» له بالقطارة، وبمعايير شديدة الصرامة، ووفقاً لدراسات دقيقة يقوم بها عُتاةُ المحللين الاقتصاديين، وخبراء إدارة الأزمات المستفحلة، بناءً على رؤية «تكاملية»، لم تخطر في بال أكثر دُهاة علم التكامل والتفاضل دهاءً، وميزتها الأبرز أنها مهما كسرت خاطر أفراد هذا الشعب، إلا أنها تُفاخِر وتَعتَدّ بأنه لا يزال حيّاً على الأقل. ما لم تستطعهُ «الحرب العالمية الثالثة» التي أنهكت هذا المواطن طيلة السنوات التسع الماضية، ستقوم به الحكومة ببضعة أشهر، ولن يكون آخر إبداعاتها دور الغاز الذي يتزايد وفق تطبيق الـWay-in الخاص بالبطاقة الإلكترونية. بطاقتنا التي كسَّرَت الدنيا بذكائها، ولم يُعرَف عن ذاك الذكاء إلا الإمعان في إذلال المواطن من أجل 200 غرام شاي مع كيلو سكّر للفرد الواحد شهرياً، ثم تركيب «عدَّاد مُعطَّل» للحلُم باقتناء جرّة غاز زرقاء بهيّة الطلعة. وللأسف، وفق جميع المؤشرات والتقديرات التي لا تحتاج إلى ذكاء كبير، فإن القادم أخطر، وأردأ، وأسوأ، وأكثر تسلُّطاً وقسوة، لأنه سيتضمن الكثير الكثير من القرارات «المدروسة» وفق التصريحات الحكومية، مهما بلغت درجة «ارتجاليتها» البادية للعيان، وليس آخرها تعديل أوقات عمل الأفران من الواحدة ليلاً حتى الخامسة صباحاً، «من أجل التقليل من سرقة الطحين». والحبل على الجرَّار، ليبقى المواطن المسكين مجروراً بالكسرة الدائمة، من أول يومه إلى آخره أو آخرته، لا فرق، مهما اختلفت الحسابات الحكومية، خاصةً أنه لن يستطيع أن يكون «فرداً بطلاً»، بحسب «أرتو» السابق الذكر، لأن أقصى ما يستطيعه للشعور ببعض «الحرية»، والقدرة على كسر جليد يومياته البائسة والمؤلمة والباردة، هو تشغيل «كاسر بروكسي» على جهاز هاتفه الخلوي، والتنعُّم ببعض سرعةٍ إضافية في رسائل الـ«واتس أب»، والمسنجر، أو فتح بعض المواقع التي تكسر الظهر هي الأخرى. لحظة، كان هذا ممكناً حتى وقت قريب، لكنّه بات في حاجة إلى تفكير وحسابات، بعد أن أكرمتنا الحكومة بنعمة «باقات الإنترنت» التي تحول بين المواطن وبين استخدام الإنترنت بكثرة، وتبيحه مقنّناً، بحسرة وكسرة.

0 تعليق

التعليقات