لا يرحب أحمد عيسى، بزراعة شجر الصنوبر، خاصة البري منه، في مناطق الساحل السوري التي يقول إنها «كانت تعجّ بالتنوع الحيوي من شجر ونبات وحيوان». يؤكد الأربعيني، ابن بلدة مشقيتا (23 كم شمال اللاذقية)، أن «إصرار وزارات الزراعة السورية المتعاقبة على زراعة نوع واحد، سريع الاشتعال، وغير اقتصادي، هو سبب حتمي لتوسع انتشار حرائق غاباتها».

التنوع الغابي، وزراعة أنواع متوطنة محلياً، هما في صلب مشروع أطلقه الشاب منذ ثلاثة شهور أسماه «حواكير» (جمع «حاكورة» وهي كلمة مختلف على أصلها، بين قائل بسريانيتها، ومؤكدٍ أنها عربية، وتعني القطعة من اﻷرض). المشروع، وفقاً لعيسى «دعوة لغرس شجرة عن كل فرد رحل عنّا في هذه الحرب القذرة، في أي مكان في سوريا. نطمح لتشجير كل مدرسة وجامعة ومقر حكومي وكل شارع وطريق وأوتوستراد»، ويضيف «نحلم بغرس مليونَي شجرة في كل محافظة سورية». الحملة، المستمرة إلى أمد غير معلوم، تهدف إلى تعويض فاقد الغابات التي حرقت الحرب السورية جزءاً صغيراً منها، مقارنة بما فعلته أعمال التفحيم والتحطيب، التي التهمت أشجاراً ومناطق عمرها مئات السنين، تقف وراء تجريدها من غطائها اﻷخضر شبكات من المتنفّذين، لا يقدر عليها المجتمع المحلي، ولا غيره.
الجديد الذي يعمل عليه أحمد، خرّيج كلية الاقتصاد ــ جامعة تشرين (اللاذقية)، مبني على دراسة اقتصادية واجتماعية، تعيد التفكير في علاقتنا بالمكان والطبيعة. ويهتم «بزراعة الأشجار الدائمة الخضرة، كالعناب والغار والخرنوب، لما لهذه الأنواع من ميزات بيئية وخصائص مميزة، مثل أوراقها العريضة التي تمتصّ كميات أكبر من غاز الكربون، وتطرح الأوكسجين، أكثر من غيرها. وهي من قلب البيئة المحلية». كما تنتقي الحملة أشجاراً «تؤمّن فوائد اقتصادية واجتماعية، وتحقق فرص عمل حقيقية قادرة على تشغيل عشرات آلاف الأيادي العاجزة العاطلة عن العمل، وخاصة من الأسر المتضررة من الحرب وكوارثها البيئية. وبذلك تخفّف العبء عن حكومة عاجزة عن تأمين مداخيل تليق بمواطنيها» يقول الشاب لـ«الأخبار». ويضيف ضاحكاً «أخشاب هذه الأشجار لا تصلح للتفحيم والتحطيب».
يختار أحمد أشجاراً «تؤمّن فوائد اقتصادية واجتماعية»


يجري الشاب حساباً اقتصادياً بسيطاً، ويقول «ألف دونم من الغار والخرنوب والعناب، كفيلة بعد مضي خمس سنوات فقط، بإحداث مئات الوحدات الحرفية والمهن الصغيرة، وورشات العمل في صناعة وتحضير وبيع منتجات ثمار هذه الأصناف». يستفيض متحدثاً عن بعض تلك الأصناف، «مثل صابون الغار السوري، وتاريخه الذي يمتد إلى مئات السنين، وشهرته لا تحتاج إلى جوازات سفر ومعارض، ناهيك عن فوائد أوراق الغار وزيوته». ويضيف «كذلك ثمار الخرنوب وما ينتج عنها من مستحضرات طبية وعلاجية، وللعنّاب السوري طعم فاكهة الجنة». هذا الكلام، مرشح في لغة اﻷرقام، للتحول بعد خمس سنوات إلى أكثر من 15 مليار ليرة سورية، بافتراض أسوأ اﻷحوال الجوية، إذا ما زُرعت مساحة ألف دونم، وهي متوافرة في مناطق حرائق الغابات السابقة، أي «أراضي الدولة»، فما المانع؟
أبو مريم، كما يحب أن يُنادى تيمناً برفيقة فكرته، ابنته الكبرى، يتابع عمله من دون دعم أي جهة رسمية، ما خلا بعض «المهووسين» بالغابات مثله، ممن قاموا بزراعة أشجار الغار في مناطق مختلفة من البلاد. يقول «الحمقى وحدهم لا يزرعون اﻷشجار. العملية سهلة في حال توافر دعم مقبول لها، وبشكل خاص للأدوات الزراعية مثل المعاول والرفوش. لو زرعنا 10% أشجاراً من هذه الأنواع سنوياً، سنتمكن في غضون سنوات قليلة من تحقيق معجزات، وهي دعوة مفتوحة لدعم المشروع بكل الطرق المتاحة».