«لا يمكن أن تحب بلادك إن لم تعرفها». بدت هذه الجملة أشبه بقاعدة من قواعد حياة ابن اللاذقية، الباحث حيدر نعيسة، أكثر من كونها جواباً عن سؤال «الأخبار» حول سبب تكريس حياته للبحث وتوثيق التراث الشعبي في محافظته. يقول نعيسة «لديّ ثلاثة أولاد، والرابع هو التراث. سيكبر أولادي الثلاثة، ومن المؤكد أنهم سيشيخون، أما التراث فيبقى في عينيَّ طفلاً». على عكس النظرة السائدة إلى التراث على أنّه «أمر ماضٍ»، يراه نعيسة حاضره ومستقبله أيضاً، لذلك يوليه اهتماماً خاصاً كالذي يوليه لأبنائه. يقول «أولادنا يحافظون على نسلنا، والتراث يحفظ هويتنا». بدأ حيدر نعيسة (56 عاماً) بحثه في التراث منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي بعد تخرّجه في «كليّة العلوم السياسيّة» بجامعة دمشق عام 1985، واستفاد إلى درجة كبيرة من مسقط رأسه، قرية «كفرية» (منطقة الحفّة، ريف اللاذقية الشمالي)، التي تعدّ حاضنة للتراث. لعبت هذه المزية للقرية دوراً أساسيّاً في توجيه اهتمامات نعيسة، علاوة على دور أساسي لذاكرة والده الحيّة، الذي عاش قرناً كاملاً وكان من حفظة التراث ورُواته. كذلك، استفاد نعيسة من وجود معمّرين كُثر في القرية، وهم حملة للتراث رغم أنّهم أميّون. ويرى الباحث أن «الأميّ حافظٌ جيّد لقصص التراث، لاعتقاده بأنه لن يسمعه مرة أخرى، باعتبار السماع والمشافهة وسيلتيه الوحيدتين للمعرفة».على امتداد ربع قرن من العمل، أنجز نعيسة «موسوعة التراث الشعبي في اللاذقية»، وقد باشرت «وزارة الثقافة» طباعة أجزائها الخمسة. في رصيد نعيسة أيضاً خمسة عشر كتاباً آخر، إضافة إلى 45 مخطوطة في «البيبلوغرافيا» وأدب الحياة والانسان، لكنها لم تجد طريقها إلى النشر بعد، بسبب الظروف المادية الصعبة. ورغم افتقار الحي الذي يسكنه إلى الخدمات، واكتظاظه بالسكان والوافدين من مناطق الحرب في إدلب وحلب، فقد نجح حيدر في كسبِ إقبالهم على ملتقى ثقافي استحدثه تحت عنوان «قنديل». تهتم أنشطة الملتقى بتراث الساحل، وعلاقته بتراث كلّ من المناطق السورية الأخرى، في دعوة لـ«العودة إلى الجذور السورية الأصيلة التي تنادي بالمحبة والتعاون». يقول نعيسة «التراث هو نتاج وطني يُؤلّف القلوب، لكونه خلاصة شعب وفكر». كذلك أسّس نعيسة «مهرجان عرامو التراثي» السنوي في قرية عرامو، بهدف إحياء تراث قرى ريف اللاذقية الشمالي المجاورة، التي تعرّضت لهجوم مسلّحي «جبهة النصرة» قبل حوالى ست سنوات، ما تسبب في تخريب معالم القرى، ومقتل وخطف معظم سكانها. ويهدف المهرجان إلى «مقاومة ثقافة الموت التي حاول المسلحون نشرها».
يهتم نعيسة بالأمثال الشعبية التراثية، لكنه يرفض المثل القائل «ما بيجي من الغرب شي بيسر القلب»، بل يؤيد فكرة الاستفادة مما هو نافع من تراث الغرب، مع الحفاظ على هوية تراثنا، لتهيئة مستقبلٍ يأملُ للسوريين أن يعيشوه بسلام.