جدّدت القيادة السورية، أمس، رمي الكرة في الملعب العربي: «إن أردتم المشاركة في المؤامرة، فهذا شأنكم، لكننا سنواجه ونواصل مدّ يدنا لكم وثقتنا بكم كبيرة بالتعاون، لعلمكم أن الأمن السوري يؤثر على الأمن القومي العربي»، كل ذلك في كلام هجومي صاغه رئيس الدبلوماسية وليد المعلم على طريقته الهادئةخرج وزير الخارجية السورية وليد المعلم، في مؤتمره الصحافي أمس، بمواقف قوية لكن هادئة، تشديد على وجود مؤامرة وعرض لطريقة محاربتها طبع الخط السياسي لكلام المعلم، الذي سعى للطمأنة إلى أن لا تدويل ولا إسقاط للتجربة الليبية على الساحة السورية، وإن لم يمنعه ذلك من شنّ حملة على الأمين العام للجامعة العربية ودولة قطر تحديداً. وقد تمكن المعلم من اعتماد لغة هجومية وسلسة في آن واحد إزاء الجامعة العربية ككل، مجدداً ثقة الحكم السوري بها رغم إشاراته إلى انسياقها في خانة «المؤامرة» على سوريا. وقال المعلم، الذي وصف قرار وزراء الخارجية العرب يوم السبت بأنه «شديد الخطورة»، إن سوريا لا تزال تدرك «حجم المؤامرة» التي تواجهها. وسعى إلى الطمأنة لكون «التدويل وتكرار السيناريو الليبي في سوريا لن يحصلا لأن سوريا ليست ليبيا كما أن الأوروبيين يعانون في اقتصاداتهم، ولأننا متمسكون بالعمل العربي المشترك لسبب وحيد هو أن سوريا قلب العروبة النابض، ولن يكون هناك عمل عربي مشترك من دونها».
وجدد الإشارة إلى أن سوريا «تتجه نحو نهاية الأزمة»، مخاطباً العرب بـ«إذا قررتم أن تكونوا متآمرين فهذا شأنكم». وتوقف المعلم عند أهمية الطلب السوري بعقد قمة عربية طارئة، مكرراً ترحيب دمشق بزيارة اللجنة الوزارية العربية «ومعها من تراه مناسباً من خبراء ومراقبين» قبل يوم غد لسوريا للإشراف على تنفيذ المبادرة العربية. ووضع «المؤامرة التي تتعرض لها سوريا» في خانة «دفع ثمن صلابة مواقفها وصدق عروبتها»، لافتاً إلى أنها «ستخرج من أزمتها قوية، رغم ما يرميها به بعض الأشقاء»، ومؤكداً أن «التآمر على سوريا مصيره الفشل». وتوقف رئيس الدبلوماسية السورية على قضية تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، كاشفاً أن «مخطَّط اتخاذ إجراء ضد سوريا عبر تعليق عضويتها كان موجوداً في وقت سابق لأي طرح في هذا الموضوع». وتحدث الوزير عن خبايا الاجتماع التشاوري الذي عقدته اللجنة العربية المكلفة الاتصال بدمشق في فندق «الفورسيزنز» في القاهرة ليل الجمعة، من دون دعوة الوفد السوري، موضحاً أنه خلاله «طُرحت فكرة تجميد العضوية، الأمر الذي عارضته عدة دول عربية، وانتهى الأمر إلى قرار بتأليف لجنة وزارية عربية تبحث الأمر في دمشق، وهذا لم يحدث».
وجدّد اتهام اللجنة العربية المذكورة بالعمل ضد سوريا، بدليل أنه بعد الموافقة السورية على الخطة العربية، «جرى تصعيد إعلامي غير مسبوق من قنوات التحريض وكذلك تصعيد في العمليات الإجرامية المسلحة على الأرض». وهنا، عدّد المعلم الخطوات التي التزمت بها دمشق في إطار تنفيذ المبادرة العربية، وهو ما واجهته «المجموعات المسلحة» والولايات المتحدة وسط «غياب لأي رد فعل من الجامعة العربية»، ليخلص إلى أن «الخطة كانت مقررة ومبيتة وتنتظر الذرائع، والقرار (العربي) الصادر على أي حال غير قانوني».
وفيما رفض المعلم التعليق على العلاقة السورية ـــــ القطرية، كشف أجزاءً من وقائع زيارته للدوحة قبل نحو أسبوعين، مكرراً موقف بلاده المرحب بمشاركة جميع المعارضين. وبشأن هذه النقطة، لفت المعلم إلى أن الروس يريدون أن يكون لهم «دور مؤثر في الحوار الوطني المزمع عقده، وهذا شيء إيجابي». حتى إن المعلم اتهم الجامعة العربية برفض تحديد آليات لتطبيق المبادرة في الدوحة، ملمحاً إلى مسؤولية دول الجوار في عدم ضبط الحدود لمنع تهريب السلاح»، وهذا الأمر بأيدي دول الجوار، إضافة إلى وقف الحوالات المالية التي تأتي من دول الخليج». ووصل الأمر بالمعلم إلى الكشف أن الوفد السوري أعرب عن استعداده لفتح مكتب لقناة «الجزيرة» في سوريا «وفق أسس الموضوعية»، مستدركاً أنه «بعدما رأينا تصاعد التحريض منذ الموافقة السورية على الخطة العربية، استغربنا لأننا عندما كنا في الدوحة قالوا لنا إذا وافقتم على خطة العمل فسنحشد المثقفين والإعلاميين ورجال الدين بمن فيهم يوسف القرضاوي لدعم هذه الموافقة، ولكن هذا الشيء لم يحدث».
ورغم مهاجمة القادة العرب، عاد المعلم ليعرب عن ثقة بلاده بهم، وذلك رداً على سؤال عن الدعوة السورية لعقد قمة طارئة، قائلاً: «نثق بحكمة القادة العرب ورؤيتهم الواقعية لتطورات الأحداث في المنطقة ومساهمتهم في حل الأزمة على قاعدة أن الحل سوري سيصب في تعزيز الأمن القومي العربي».
وصوّب المعلم سهامه تحديداً على الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي من باب تصريح الأخير بأنه سيتشاور مع أطياف المعارضة، لا الحكومة السورية، واصفاً ذلك بأنه يدعو إلى «الخزي والعار ولن يشرفنا التشاور معه»، متسائلاً: «هل هناك قلة حياء أكثر من دعوة الجيش العربي السوري إلى عدم التورط في أعمال العنف والقتل ضد المدنيين؟». ولم يوفّر الرئاسة القطرية للجنة مبادرة السلام العربية من انتقاداته على خلفية فشلها في إقناع دولة أفريقية كي تكون الصوت التاسع في مجلس الأمن لمصلحة الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة. ورداً على سؤال عن مهاجمة بعثات دبلوماسية في دمشق واللاذقية وحلب، قدم المعلم اعتذار بلاده عن الموضوع. أما عن الكلام على أنباء عن عزم تركيا إقامة منطقة عازلة مستقبلاً، ردّ الوزير بأن «سوريا ستدافع عن سيادة كل شبر من أراضيها»، مستبعداً أن يقوم «الأشقاء في تركيا بهذه الخطوة».
وفي تعليقه على خطوات عربية مقبلة محتملة، اعترف بأن قيادته «مقصرة في موضوع الحوار، وأرجو أن نتدارك ذلك»، مفضلاً عدم التحدث عن الجامعة العربية كثيراً؛ «فقرارها الأخير مشين وخبيث، ولذلك يجب أن نتوقع منه أشياء أخرى تبنى عليه». وكشف المعلم أنه لن يشارك في منتدى الحوار العربي ـــــ التركي المقرر في الرباط يوم الأربعاء، وعلى هامشه يعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً.
على صعيد آخر، توحّد الموقفان الروسي والإيراني على التنديد بقرارات وزراء الخارجية العربية، بينما اقتصر التعليق الصيني على دعوة دمشق إلى تنفيذ بنود المبادرة العربية؛ وفيما وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف القرار بأنه «غير صائب»، أشار الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمانبرست إلى أن القرار «سيعقّد البحث عن حل سلمي للأزمة السورية». في المقابل، اتهم الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز الولايات المتحدة وأوروبا بإرسال «إرهابيين» لإثارة العنف في سوريا.
وفي تداعيات القرارات العربية الأخيرة، برر وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري موقف بغداد المتحفّظ على قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، بالقول إن «الوضع في سوريا يؤثر بصورة مباشرة على العراق». غير أنه استدرك بالتذكير بأنّ «هناك التزامات بالنسبة إلى العراق بمحيطه العربي الدولي لا يمكن أن نتغاضى عنها». وفي السياق، خرجت الجزائر عن صمتها، وناشد المتحدث الرسمي باسم وزارة خارجيتها عمار بلاني، الحكومة السورية اتخاذ إجراءات فورية لوقف العنف بهدف تجنب تدويل الأزمة السورية.

«معركة في حوران»

ميدانياً، كان الأبرز ما أكّده «نشطاء محليون» لوكالة «رويترز» أن «أكبر مشهد للمقاومة المسلحة» ضد الجيش النظامي حصل مساء أمس في بلدة خربة الغزالة في سهل حوران، قرب الحدود مع الأردن، حيث «قُتل 40 شخصاً على الأقل، نصفهم من الجيش ونصفهم الآخر من المنشقين والمدنيين، بعدما هاجم منشقون عن الجيش حافلة للشرطة عند تقاطع على طريق سريع قرب البلدة».
أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عن مقتل ثلاثة مدنيين وجرح عشرات آخرين برصاص الأمن في حمص وريف درعا، وقُتل أربعة جنود في اشتباكات، بالإضافة إلى العثور على جثامين خمسة من عناصر الجيش في إدلب.
(الأخبار، سانا، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)