لا يبدو أن الأمور تتجه إلى تسوية سريعة بين دار الفتوى وتيّار المستقبل. الحرب انتقلت من تحت الطاولة إلى القضاء والإعلام. فقد استعان المستقبل بخمسة رجال دين مقربين من مفتي عكار السابق الشيخ أسامة الرفاعي ـــــ الذي لم يُمدّد له مفتي الجمهوريّة ولايته قبل أسابيع ـــــ لرفع دعوى على ابن المفتي، راغب قباني، بتهمة اختلاس أموال وتبييضها. جديد تيّار المستقبل هو تصعيد الحملة إعلامياً، مع دعوة النائب محمّد كبارة من طرابلس، «جميع المؤمنين إلى مقاطعة أي صلاة يؤمها قباني». ورأى كبارة أن مفتي الجمهوريّة الشيخ محمّد رشيد قباني «تجاوز كلّ الحدود وتحدى مشاعر المتظاهرين قرب دار الفتوى احتجاجاً على لقائه السفير السوري». وإذا كان تصريح كبارة هذا يُعدّ خطيراً، فإن ما يوازيه هو ما أعلنه النائب معين المرعبي أول من أمس أن قباني لم يعد مفتياً، مشيراً إلى أن مفتي طرابلس الشيخ مالك الشعار هو المفتي. واللافت أن الشعار لم يُصدر أي رد فعل تجاه تصريحات المرعبي. لكن دار الفتوى، ردّت على هذا الأمر أمس؛ إذ قاطع ممثلها احتفال قوى 14 آذار في البيال، احتجاجاً على كلام المرعبي الذي لم يضع تيّار المستقبل له حداً.

لم يفاجأ العديد من المتابعين لهذا الملف، بالتصعيد الإعلامي لتيّار المستقبل؛ إذ إن هذا الأمر، بحسب هؤلاء المتابعين، هو نتيجة طبيعيّة للتصعيد السياسي والقضائي. وفي جديد التصعيد السياسي، نشر مقربون من تيّار المستقبل معلومات تفيد بأن الرئيس فؤاد السنيورة التقى منذ أيامٍ قليلة بالرئيس نجيب ميقاتي، ووضعه في صورة الدعوى القضائيّة المرفوعة على نجل المفتي، وأن ميقاتي وافق على الأمر. وتُضيف الرواية المستقبليّة أن ميقاتي وافق على طرح السنيورة أن يُستغل حفل تكريمي سيُقام في نيسان المقبل (من المقترح أن يكون في 13 نيسان) لأحد مديري دار الأيتام الإسلاميّة (محمد بركات) ليُشارك رؤساء الحكومة وأعضاء المجلس الشرعي، ثم يصدر عن الحفل التكريمي دعوة للمفتي بالتنحي وتسليم مهماته لنائب رئيس المجلس الشرعي، عمر مسقاوي، بحجة تورّط نجله بملفات قضائيّة. وبالتالي يُمكن إمرار التعديلات التي يُريدها السنيورة على النظام الداخلي لدار الفتوى، والمعروف بالمرسوم 18، بعد أن تُزال عقبة المفتي.
لكن مصادر الرئيس ميقاتي، التي أكدت أن الاجتماع سيحصل، نفت أي بحث بالدعوى القضائيّة؛ لأن «الرئيس لا يتدخّل في القضاء، أمّا موضوع تنحية المفتي، فهذا منوط بالهيئة الناخبة وليس بأي أحد آخر». والهيئة الناخبة، مؤلفة من أكثر من ألفي شخصيّة.
وبعد أن انتشرت هذه المعلومة بين عدد من رجال الدين، تسارعت الاتصالات لتتبيّن الواقعتان التاليتان:
ـــــ تيّار المستقبل يُعدّ لخطوة من هذا النوع، لكنّه ليس واثقاً منها بالكامل ومن آثارها وتأثيراتها. وهذه الخطوة ترتبط بنحو رئيسي بالدعوى القضائيّة المرفوعة على ابن المفتي، ومدى تطوّرها. ويؤكّد المستقبليّون طرح هذه الفكرة على ميقاتي وموافقته.
ـــــ لا يبدو أن هناك تغيّراً جدياً في موقف رئيس الحكومة؛ فهو لا يزال في موقعه «الوسطي»، غير راغب في الدخول في معركة السنيورة ضد المفتي، لكن هذا لا يعني أنه سيخوض معركة الدفاع عن المفتي، بل إنه سيبقى في موقع الساعي إلى إيجاد حلول وسط، أو منع الانفجار الكبير في الحدّ الأدنى. يبقى الرئيس عمر كرامي متحالفاً بالكامل مع السنيورة في هذا الموضوع، وهو ما يفاجئ الكثير من حلفائه، بينما يدافع الرئيس سليم الحص عن المفتي.
وفي سياق آخر، علمت «الأخبار» أن الجيش سيتولّى حفظ أمن المفتي ودار الفتوى، بعد ورود تحذيرات أمنيّة للمفتي ولبعض المسؤولين في الدار، وتلقيه طلباً رسمياً بذلك، وجرت سلسلة اتصالات بين قائد الجيش ووزير الدفاع فايز غصن ورئيس الحكومة حول هذا الأمر.