وصل رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى موعده مع الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، ليفاجأ بالرئيس سعد الحريري، وقد جلس ـــ من خارج أية سوية بروتوكولية ـــ على المقعد الثاني المجاور لمقعده إلى يمين كرسي الملك. منذ هذه اللحظة المبكرة، أصيبت الزيارة بنكسة.
وبحسب مصدر دبلوماسي خليجي، فإن «هذا المشهد جعل الزيارة تبدو كأن الحريري يحتاج إليها أكثر من سليمان». ويضيف: «العارفون بعلاقة الحريري مع الرياض يدركون عقدته أمام أي صورة تجمع مسؤولين لبنانيين مع الملك. وتستعر هذه الرغبة كلما تعاظم لغط حلفائه في 14 آذار حول انخفاض مكانته السياسية في الرياض، أو عندما يتعالى الهمس داخل قاعدته الشعبية بأن الديوان الملكي أقفل حنفية مده بالمال السياسي».
صورة اللقاء بين سليمان والملك أعطت، بحسب المصدر عينه، انطباعاً بأن الحريري هو من رتب أمر الزيارة، تحت عنوان تعويض الرئيس اللبناني عن عدم استقباله في المرة السابقة. ورغم لقاءاته المتعددة، لم يلتق سليمان مدير الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان. وبحسب المصدر، «تمت مراعاة أن لا يبدو بندر في هذه الفترة بوصفه المعبّر حصراً عن موقف الرياض».
ولكنما تعذر على سليمان أن يسمعه من بندر، سمعه من الحريري المحسوب على «الاتجاه البندري». وخلاصته ـــ والكلام دائماً للمسؤول الخليجي ـــ أن «تيار المستقبل لن يشارك في أية حكومة مع حزب الله، طالما لم يسحب قواته من سوريا». وأعاد الحريري تأكيد مقولة سعودية مفادها أن «سياسة انتظار الوضع الإقليمي» لا تتمثل فقط في انتظار سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، بل أصبح لها أفق جديد يرتبط بتوقع انتهاء المفاوضات الإيرانية ـــ الأميركية الى مقايضة كبرى ستكون على حساب حزب الله. ويكشف المصدر أن هذا «الترقب» تعزز لدى السعودية، قبل أن يتراجع التعويل عليه قليلاً، استناداً الى واقعة حدثت فعلاً خلال المفاوضات الإيرانية ـــ الأميركية الأخيرة في جنيف، إذ حاول الأميركيون توسيع بنود «رزمة الحل» لتشمل حزب الله، لكن طهران رفضت الدخول في هذه المقايضة. وأصرّ المفاوضون الإيرانيون على حصر التفاوض حول ملف محدد، وهو رفع العقوبات المالية عن الجمهورية الإسلامية، مقابل خطوات تتخذها طهران بشأن مشروعها النووي.
ويؤكد المصدر أن «السعودية اتخذت قرارها بفتح اشتباك واسع مع إيران في كل المنطقة». ويوضح أن «سليمان فهم بأن لبنان مقبل على شهور صعبة، ليس فقط بسبب تراجع احتمال توافق السعودية مع إيران، بل لأن الرياض ذاهبة الى مواجهة معها في كل المنطقة».
ويؤكد المصدر الخليجي أن الرياض غير مهتمة، في هذه اللحظة، بموضوع استحقاق الرئاسة الأولى في لبنان. لكنها استمعت أخيراً الى آراء تؤكد «غياب القدرة على فرض حكومة من دون حزب الله في لبنان»، واستتباعاً، استبعاد إمكان التوافق على إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية، ما سيخلق فراغاً رئاسياً يحتم نقل الحكم إلى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة، والتي تصفها بأنها «حكومة حزب الله». ولتحاشي هذا الأمر، فإن البديل الممكن هو التمديد لسليمان ثلاث سنوات، ما يعني المحافظة على «الستاتيكو» الحالي. ثانياً، هناك اقتراح باتخاذ خطوتين تمهدان لمنع الفراغ. الأولى، إلغاء المادة التي تشترط على موظفي الفئة الأولى الاستقالة من وظائفهم قبل فترة محددة من انتخابهم لرئاسة الجمهورية. والثانية، تغيير طريقة ترشح الطامحين لرئاسة الجمهورية. ويخدم هذا الاقتراح فكرة سليمان الذي يرفض البقاء في بعبدا كرئيس ممدد له، فيما يوافق على توليه نصف ولاية جديدة لمنع الفراغ، ولتقطيع وقت الأزمة الإقليمية، شرط أن يكون منتخباً. والمؤمل أن تسمح هذه الصيغة بفتح الطريق أمام احتمالين: في حال تعذر التوافق على رئيس جديد، يترشح سليمان كرئيس منتخب لنصف ولاية، وذلك من باب منع الفراغ وتقطيع الوقت الإقليمي الصعب، كما حصل لمجلس النواب ولقائد الجيش، ولا سيما أنه لا موانع دستورية أمام إعلان ترشحه. الاحتمال الثاني، إفساح المجال في حال توافر شروط إجراء الانتخابات في ربع الساعة الأخير، أمام ترشح أحد الخيارين المطروحين للمفاضلة بينهما، وهما قائد الجيش العماد جان قهوجي أو حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.