«إذا ما عرفت مصير ولادي، لا رح ريّح ولا رح ارتاح». عبارة رددتها أكثر من مرة فاطمة جعفر، وقد امتزجت فيها مشاعر حرقة الوالدة على عدم معرفة مصير ابنها، مع الكثير من الجرأة والشجاعة. تلك الملامح القاسية لدى السيدة السبعينية تبددها تلك العيون الغائرة الدامعة. فابنها أحمد يوسف جعفر (35 عاماً) ما زال مخطوفاً وبعيداً عن أهله وزوجته وولديه منذ أكثر من 24 يوماً، مع ابن عمه مهدي جعفر.
خُطف الشابان في محلة «الموح ــ عرجون» في ريف القصير، أثناء توجههما على دراجة نارية «من أجل توفير بعض المواد التموينية الأرخص سعراً»، كما تقول الوالدة. تتضارب الروايات والتكهنات لدى أفراد العشيرة بشأن كيفية اختطافهما، لكن الثابت والمؤكد أن عناصر من المعارضة السورية هم من اختطفوهما. فقبل سقوط مدينة القصير، وإزاء شعور الناس في الريف بنوع من الأمان، شرع غالبية أبناء القرى اللبنانية المحاذية للحدود مع سوريا في التوجه إلى قرى حوض العاصي في ريف القصير بقصد الإفادة من أسعار المواد التموينية الأرخص نسبياً من السوق اللبنانية، وتحديداً في بلدة العقربية. لكن الشابين من عائلة جعفر، وبحسب إحدى الروايات، ضلّا طريقهما واختطفهما عناصر «الجيش السوري الحر»، فيما الرواية الثانية تشير إلى استدراج لهما بقصد اختطافهما، بحسب ما يروي محمد جعفر شقيق المخطوف.
تأكيدات عائلة جعفر لجهة اختطاف الشابين من قبل عناصر سورية معارضة تعود إلى المعلومات التي توصلوا إليها من جهة، وإلى الاتصالات التي وردت إلى العائلة من هاتف المخطوف مهدي جعفر، بعد أسبوع على اختطافهما، والتي طلبوا فيها فدية مالية بقيمة 500 ألف ليرة سورية، بحسب جعفر الذي أكد أن الفدية «استحوذ عليها الخاطفون ولكنهم لم يفرجوا عن شقيقي وابن عمي». لم ينقطع الاتصال مع الخاطفين طيلة الفترة الماضية، فقد «حرصوا على طلب تشريج الهاتف بالوحدات، مقابل وعود بالسماح بهروب الشابين»، وهو ما لم يحصل. إلا أن أحد الأرقام التي كان يمكن التواصل معها انقطع كلياً، وهو بات مقفل بشكل دائم، بعد سقوط مدينة القصير، في حين أن الرقم الآخر جرى التواصل مع صاحبه منذ أيام، ولكن من دون الكشف عن مصير الشابين أو مكانهما.
جرت صولات وجولات تفاوضية بين الخاطفين وأهل المخطوفين، فيما الأجهزة الرسمية اللبنانية «غائبة كلياً. حتى إنها لم تكلف نفسها السؤال عن شابين لبنانيين من مواطنيها، ولو كذباً، بس يسألونا شو صار بقصة أولادكم»، كما يقول ساخراً أحمد جعفر ابن عم المخطوفين. ويطالب جعفر الدولة اللبنانية ومسؤوليها، وتحديداً اللواء عباس إبراهيم، «بالتحرك سريعاً للكشف عن مصير ابنينا». وتساءل بتهكم واضح: «لماذا عندما سارعنا إلى اختطاف شابين سوريين كردة فعل سريعة على اختطاف ولدينا سارعت الأجهزة الأمنية جميعها إلى لى التدخل من أجل الإفراج عنهما، وهو ما قمنا به فعلياً كبادرة حسن نية؟».
وأمام اليقين بمعرفة الجهة الخاطفة وتحديدها، بدا تحذير عشيرة آل جعفر واضحاً وجلياً. فقد أشاروا إلى أن اعتراض أفراد من العائلة طريق قافلة الصليب الأحمر اللبناني التي تنقل جرحى المجموعات السورية المعارضة المسلحة يوم الاثنين الفائت، ودفعها فقط إلى تغيير وجهة سيرها، «ليست سوى بادرة طيبة منا، فيها تحذير ذو حدين، للدولة اللبنانية من جهة، إذ ينبغي لها أن تتحرك، وإذا تغاضت عن القيام بذلك، فنحن نعرف كيف نأخذ حقنا بأيدينا. أما الرسالة الثانية، فكانت لـ«الجيش السوري الحر» الذي يفترض به أن يسعى جاهداً من أجل الإفراج عن ولدينا، أو حتى كشف مصيرهما، لأنهما ليسا مقاتلين أو على علاقة بأي طرف، وإلا فسنضطر إلى عدم تركهم يرتاحون، ليس في البقاع فقط، بل في كافة المناطق اللبنانية وحتى السورية، ويدركون جيداً مقدرتنا»، بحسب ما يقول جعفر.
وبعيداً عن الأجواء المشحونة، ثمة أشخاص يعملون برويّة وهدوء على خط التفاوض والوساطة من أجل إطلاق الشابين من آل جعفر، أو حتى الكشف عن مصيرهما، فضلاً عن استعادة جثامين ثلاثة شهداء لحزب الله بأيدي مجموعات المعارضة السورية المسلحة، بحسب ما يشرح لـ«الأخبار» الدكتور علي زعيتر، منسّق العلاقات بين القرى الحدودية السورية ــ اللبنانية والمكلف بمتابعة هذه الملفات. ويؤكد زعيتر بثقة أن الجهة الخاطفة هي «الجيش السوري الحر»، «وباعترافهم الواضح والصريح أثناء عملية التفاوض مع مرافق القيادي في الكتائب التي كانت تقاتل قرب القصير المدعو «أبو السوس» الذي أكد في أكثر من اتصال أنهما في حوزتهم في مدينة القصير، حيث جرى بعدها الاتفاق على مبادلتهما بفدية مالية في محلة الطاحونة ــ الموح، لكنهم نكثوا بوعدهم نتيجة خطأ معين من ناقل الفدية، وتغيير في قواعد خطة التسليم من قبلهم».
عملية التواصل والتفاوض لم تنته فصولها بعد، بحسب زعيتر، لكنها زادت غموضاً لجهة مصير الشابين، وخصوصاً بعد سقوط مدينة القصير. يلفت إلى استمرار التواصل مع قادة المعارضة، ومن بينهم مرافق «أبو السوس» (وليس مع أبو «أبو السوس» لكون الأخير لا يتحدّث عبر الهاتف بنفسه)، لكنه أكد أنهم «عندما هربوا من القصير لم يعد يعرف عنهما شيئاً»، لتضيع الأمور بين تكهنات وروايات متعددة، منها بحسب زعيتر أنهما قتلا بسقوط قذائف على مكان وجودهما، في حين أن معلومات تشير إلى أنهما كانا قد نقلا إلى مكان آخر قبل سيطرة الجيش السوري وحزب الله على القصير.
وتجدر الإشارة إلى أن عشيرة آل جعفر تمكنت سابقاً من تحرير 3 من أبنائها (خضر جعفر وعبدالله الزين في أيار 2012، وحسين كامل جعفر في نيسان الفائت) اختطفتهم المجموعات السورية المسلحة، وجرى تحريرهم بعد موجة اختطاف لسوريين وعراسلة في البقاع.