قبل خروج نائب رئيس المجلس النيابي السابق ايلي الفرزلي (64 عاماً) من السلطة إثر انسحاب الجيش السوري من لبنان ربيع عام 2005، حقق نجاحات وإخفاقات متنوعة في مسيرته السياسية الطويلة منذ أن كان طالباً في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، حيث تخرج منها سنة 1972. برع «الفتى» الفرزلي في أواسط سبعينيات القرن الماضي في اللعبة السياسية المحلية في زحلة. وعندما اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية في 1975 تحول إلى «وسيط» غير معلن بين القوات السورية التي دخلت لبنان، وقادة زحلة السياسيين.
في حرب زحلة سنة 1981 أصبحت كلمة السر السورية في جيب الفرزلي. نشط في تدوير زوايا إنقاذ زحلة من التدمير. حقق مع صديقه النائب والوزير السابق خليل الهراوي إنجازات مهمة بعد أن نجح الأخير في إقناع الرئيس الراحل كميل شمعون بوجهة نظره القائلة إن زحلة محاصرة و«الجبهة اللبنانية» لا تستطيع فعل شيء لها، سياسياً وعسكرياً. فطلب شمعون من الهراوي عقد تسوية مع «السوري»، صاغ بنودها لاحقاً المحامي إيلي الفرزلي.
نجاح الفرزلي هذا لم يعطه «النعيم السوري»؛ إذ جاء الاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف 1982، معيداً خلط الأوراق، فمكث ابن نجيب الفرزلي في بلدته جب جنين تحت الاحتلال متعرضاً لضغوطات كادت تنهي حياته السياسية قبل أن يبتدع خطة مكنته من الخروج من «سندان» الاحتلال وإعادة التنسيق مع «المطرقة» السورية التي كسرت الأبواب وشرعتها أمام الفرزلي الذي أصبح رقماً صعباً في المعادلة البقاعية، وخصوصاً في زحلة.
المحامي البارع وصاحب النفَس القصير في تدوير الزوايا السياسية، تربع على عرش «الدلال» السوري بإشراف مباشر من اللواء الراحل غازي كنعان الذي كلف الفرزلي بين عامي 1984 و1985 العمل على تعبيد الطريق لوضع الطرحة السورية على رأس عروس البقاع. حقق الفرزلي رغبة كنعان وأنقذ زحلة من حرب كان الجيش السوري سيشنها ما لم تنفذ رغباته الأمنية والسياسية. وجد كنعان في الفرزلي «مبدعاً وفناناً» في صوغ وربط أفكار سياسية، كان الأول يحتاجها لترتيب سلطته المحلية في لبنان عموماً والبقاع خصوصاً، فكانت ولادة «الجبهة الزحلية» سنة 1986 التي كلف الفرزلي رئاستها وضمت إليه خليل الهراوي وحشداً من الناشطين الزحليين في الحقل العام.
نجاحات إيلي الفرزلي على الساحة البقاعية، واحتفاظه بحسن العلاقة مع غازي كنعان وفريقه الأمني، أعطياه أدواراً كبيرة، منها ترتيب إقامة قائد القوات اللبنانية الأسبق إيلي حبيقة في زحلة بعد فشل الاتفاق الثلاثي سنة 1986. تمكن الفرزلي من إقناع الزحليين بإقامة حبيقة في مدينتهم، فكاد يدفع حياته ثمناً لذلك، يوم استهدف قائد القوات اللبنانية سمير جعجع كاتدرائية سيدة النجاة في زحلة بعبوة ناسفة سنة 1987 لاغتيال حبيقة ومعه الفرزلي وخليل الهراوي والمطران حداد. نجا الفرزلي من الاغتيال الجسدي، وبقي عصيّاً على الاغتيال السياسي حتى قفز بالمظلة السورية وعين نائباً عن مدينة زحلة بعد إقرار اتفاق الطائف، محققاً حلم والده نجيب، ووارثاً زعامة آل الفرزلي التاريخية. وتحول الفرزلي رقماً برلمانياً صعباً يمنع على أيّ أحد منافسته في دائرة البقاع الغربي وراشيا بعد نجاحه في انتخابات 1992 وما تلاها. واحتفظ بمنصب نائب رئيس مجلس النواب حتى عيّن وزيراً للإعلام في حكومة الرئيس عمر كرامي بناءً على طلب العميد رستم غزالي الذي ورث رئاسة جهاز الأمن والاستطلاع من سلفه اللواء غازي كنعان الذي كان قد بدأ يضيق على الفرزلي إثر «دعسات» ناقصة أقدم عليها خلافاً لرغبته. ومن هذه «الدعسات» محاولات تقربه من الرئيس أمين الجميّل وعقده لقاءات غير مصرح له بها مع النائب وليد جنبلاط وغبريال المر وبيار أمين الجميّل وآخرين في منزل جورج حاوي ببلدة بتغرين، وأخرى مع سفراء أوروبيين في بيروت.
إيلي الفرزلي الذي أخرِج انتخابياً من السلطة إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وأصبح عدواً لدوداً لتيار المستقبل وجمهوره في البقاع الغربي، اعتكف في دارته في جب جنين مستمتعاً بزراعة الورود. اختلى الرجل بنفسه وأعاد تقويم تجربته السياسية والشعبية. فوجئ بالهجمة الشرسة التي تعرض لها من قبل ناخبيه في البقاع الغربي وراشيا في انتخابات 2005 بعد زلّة اللسان التي سقطت منه حين وصف من اغتال الحريري بـ«الاستشهادي». لم يكن يتوقع أن خدماته لأبناء منطقته يمكن أن تتبخر بسرعة قصوى وتتحول العلاقة معه خيانة بعد أن كانت «حريراً» وبرداً وسلاماً. اختمرت في رأس الفرزلي إثر سقوطه في انتخابات 2005 فكرة «كل مذهب ينتخب نوابه»، فقال حينها في دردشة مع مقربين له في شتورة: «البلد قبائل، وكل قبيلة تنتخب شيوخها». ازدادت قناعة الفرزلي إثر انتخابات 2009 وفشله مرة ثانية في خرق الحصار المذهبي الذي استهدفه في البقاع الغربي وراشيا، وأخذ يعمل على بلورة أفكار و«شقلبتها»، ناسفاً كل أدبياته السياسية.
تلقف الفرزلي مشروع اللقاء الأرثوذكسي وعدّل فيه نسبياً. جاءت الفكرة في توقيت صائب للمحامي الشاطر المحبط من الحياة السياسية اللبنانية. وصل الرجل الليل بالنهار لإقناع الجنرال ميشال عون بفكرته. كان كل همه أن يقتنع الأخير بالاقتراح والباقي سهل الإقناع. «نشّف» الجنرال «ريق» الفرزلي حتى اقتنع ببدعة رجل عرف كيف يدخل خيطه في أصغر خرم إبرة. يوم لبس عون ثوب الفرزلي الانتخابي انفرجت أسارير ابن جب جنين وبدل خطابه الشعبي من وطني نسبياً إلى مذهبي وطائفي بحت. ارتفع الغضب الشعبي في البقاع الغربي على إيلي الفرزلي. نجحت ماكينة آل الحريري المذهبية في استهداف خياط «الأرثوذكسي». لم يعد أبناء كامد اللوز يجدون في إيلي الفرزلي مرجعاً يجب استقباله، ولا راشيا تجد فيه خطيباً يعمل من أجل «العيش المشترك وأهمية وحدة أبناء المنطقة»، حتى إنه خسر حليفه عبد الرحيم مراد الذي رفض بالمطلق اقتراح «إيليا» الذي لا ينقذ لبنان. لكن الفرزلي لم يتراجع: الأرثوذكسي أولاً.



«طعنة الأرثوذكسي»

لم يكن مفاجئاً موقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بالنسبة إلى عراب «الأرثوذكسي»، نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي. لطالما كان يردد جعجع على مسامع القوى المسيحية كلاماً عن مفاوضاته الجانبية مع تيار المستقبل، وسيره مع حلفائه في هذا الاتجاه إذا توصل إلى اتفاق معهم. ووفق الفرزلي، «في الوقت الذي كان فيه جعجع يستفيد من زياراتنا له التي جرت جميعها بناءً على طلبه، كان في مكان آخر يعقد الصفقات على أنقاض فكرة التمثيل المسيحي لمصلحة ظروف تمثيله الخاصة». إنما «الخطورة في اقتراح القانون المختلط أنه زاد من تبعية المسيحيين عبر تقسيماته وأعادنا الى الوراء». وأيضاً «آثر جعجع الخروج عن الإجماع المسيحي في بكركي، وحتى عند انتقاله إلى الضفة الأخرى لم يكلّف نفسه عناء العودة إلى بكركي لإبلاغ المجتمعين ومحاولة الاتفاق وإياهم على صيغة ترضي الجميع».
من جهة أخرى، أقرّ الفرزلي بأن «الأرثوذكسي ولأول مرة منذ عدة سنوات أُصيب بطعنة حقيقية أردته قتيلاً... إلا إذا تمّت إعادة إنعاشه في الأيام القليلة المقبلة».