لم ينجح وزير أمن العدو يوآف غالانت في إدخال تعديل على صورة القيادة الاسرائيلية المربكة في مواجهة حزب الله، ولا في تعزيز صورة الجيش المُقيَّد بقواعد اشتباك فرضت عليه أداء عملياتياً مضبوطاً، ولا في إحداث تأثير جدي لدى من أراد توجيه الرسائل إليهم في الداخل والخارج، رغم الإعداد المسبق للمسرح، وتدرّبه على أداء تتناغم فيه حركاته مع مضمون كلامه أمام الكاميرا. لكن، «يُسجل» لغالانت نجاحه في عكس حجم الضغوط التي تشكّلها جبهة لبنان على مؤسسة القرار السياسي والأمني في إسرائيل.قد يكون مفهوماً أن يطلق وزير أمن العدو تهديدات ضد المقاومة في لبنان. لكنّ وقوفه في «مسرح» مع صور شهداء من كوادر حزب الله وقادته الميدانيين، متباهياً أمام الكاميرا بأن إسرائيل نجحت في قتلهم، يعكس أن رسائل حزب الله في الموقف والممارسة تتفاعل في وعي قادة العدو بأعمق مما كان مُقدّراً.
في الدلالة السياسية، كان بارزاً تعمّد غالانت الكذب على لسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في حركة مدروسة. ففي اللحظة التي توجّه فيها - أمام الكاميرا - إلى صور الشهداء، زعم أن السيد «نصرالله قال لكم قبل أسبوعين إنه لا توجد خسائر وسط حزب الله». وهنا، «ضرب» غالانت «ضربته» عندما «أحرج» حزب الله، متوجهاً إلى الأمين العام لحزب الله بسؤال: «كل هؤلاء الرجال، أليسوا رجالك؟».
يدفع هذا العرض إلى التساؤل عما يدفع شخصاً على هذا المستوى في قيادة العدو وفي قمة الهرم الأمني في الحكومة ومجلس الحرب إلى الكذب الصريح والمفضوح؟ إذ من المعلوم أن نصرالله لم يسبق أن ادّعى في أي وقت بعدم سقوط شهداء، بل أكّد علناً في أكثر من مناسبة أن الحزب يفخر بشهدائه الذين تُنقل مراسم تشييعهم ببث مباشر.
السؤال الآخر هو إلى من أراد غالانت التوجه بهذا الادّعاء: إلى الرأي العام الإسرائيلي أم اللبناني أم العربي والدولي؟ وألا يُفترض أن قسماً كبيراً من هؤلاء يعلم أن حزب الله ينعى شهداءه؟
من الواضح أن غالانت أراد تسجيل إنجاز وهمي في معركة الوعي، فكانت النتيجة عكسية، إذ أظهر إسرائيل في موقع من يفتقد إلى إنجازات فعلية تؤدي إلى تعزيز مكانتها على مستوى الصورة. وهذا يعني أيضاً أنهم يدركون موقعهم المتدنّي في هذه المعادلة تجاه جمهورهم ولدى بيئة المقاومة.
وقد حرص غالانت في هذا السياق أيضاً على توجيه رسالة إلى الرأي العام اللبناني، مفادها أن «نصرالله يجر لبنان إلى واقع صعب جداً» في موقف ممجوج ومكرّر غافلاً عن أن التجربة وما يشهده قطاع غزة جعلت جمهور المقاومة أكثر تحصيناً في مواجهة هذه الأضاليل وأكثر تمسكاً بالمقاومة وبسلاحها.
أراد غالانت تسجيل إنجاز وهمي في معركة الوعي فكانت النتيجة عكسية


أيضاً، ما الذي يجعل ممثل الجيش في الحكومة يتباهى بالنجاح في اغتيال كوادر وقادة ميدانيين وعدد كبير من المقاومين خلال ثمانية أشهر من القتال، وهل يرضي غرور القوة الإقليمية العظمى تكنولوجياً وعسكرياً وتدميرياً، والتي تحظى بدعم مفتوح من الولايات المتحدة، قتل مقاومين أياً كان عددهم في معركة مفتوحة منذ نحو ثمانية أشهر؟ وهل التفت غالانت، ومن معه، إلى المسافة الفلكية بين اغتيال مقاومين وإنجازات جيش مدجَّج يشكل الحسم ضد التهديدات ركناً أساسياً في عقيدته العسكرية؟ وأين ذلك مما كان يجاهر به الجيش منذ تأسيسه بأن من أهم مبادئه نقل المعركة إلى أرض العدو، في حين أن المعركة تجري منذ نحو ثمانية أشهر أيضاً على «أراضيه»؟ وأين هم قادة إسرائيل الذين كانوا يهددون رداً على عملية هنا أو هناك باجتياح بيروت؟
وختم كلامه في نهاية الفيديو متوجّهاً إلى حزب الله «إذا واصلتم (عملياتكم) فنحن سنُعزِّز (ضرباتنا)!» وهو تعبير لا يقلّ دلالة عن غيره من المواقف والوقائع التي تعكس فشل إسرائيل في ردع حزب الله، وفي عجزها عن تقييد حركته العملياتية، ومنها اضطرار جيش العدو الى انتهاج خيارات عملياتية تحت قواعد الاشتباك التي فرض حزب الله الكثير من معالمها.
بعيداً عما أراد غالانت أن يحقّقه من وراء هذا العرض والرسائل التي تضمّنها، فقد كان في جانب منه، أقرب إلى التعبير عن مستوى التحول في معادلات القوة بين إسرائيل وقوى المقاومة، إذ بدت إسرائيل أنها في موقع دوني في معركة الوعي، ومضطرة إلى الكذب المفضوح لتعديل هذه الصورة، وتتوعّد بمزيد من قتل مقاومين بعدما كانت في السابق تبادر إلى اقتحام أراضي العدو لتدمير قدراته واحتلال أرضه. واضطرت في مواجهة حزب الله إلى استبدال عقيدة الحسم بتسجيل نقاط تراكمية هي في الأساس تكتيك كل المقاومات، لأسباب تتعلق بموازين القوى، والأهم أنها تقوم بكل ذلك، وهي تدرك أنها لن تحقّق أهدافها المؤمَّلة!