رغم أنّه يُعدّ الفرع الأوروبي للصندوق الوطني للديمقراطية الأميركي (NED)، ويحمل الشعار الأميركي نفسه (نشر الديمقراطية وتعزيزها)، إلا أنّ صندوق دعم الديمقراطية الأوروبي (EED) لا يعمل في كل دول العالم، بل هو مخصَّص حصراً للجوار الأوروبي في الجمهوريات السوفياتية السابقة، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، دول البلقان الغربية وتركيا. وبما أنّ EED يموّل برامج لدعم الديمقراطية والمطالبة بالشفافية في دول منطقتنا، توجّهت «الأخبار» أكثر من مرّة بأسئلة إلى الصندوق حول أرقامه وتفاصيل عمله في لبنان، لكنّه لم يستجب واكتفى بالرد بوابل من الأسئلة، وبأنّه لن يوفّر أكثر مما هو منشور في موقعه الإلكتروني (للاطّلاع على قائمة المموَّلين من EED اضغط هنا)، الذي تُذكَر فيه أسماء الجمعيات والمنظّمات والمنصات الإعلامية التي يموّلها وأهداف تمويلها، من دون الإفصاح عن حجم المبالغ التي صرفتها هذه الجهات.

تختار هذه المؤسسة المموَّلة بأموال دافعي الضرائب الأوروبيين أن تحجب معلومات من المفتَرَض أن تكون عامة ومتاحة للجميع، وفي الوقت عينه تموّل منذ أيار 2020 برنامجاً اسمه «الشفافية في الإدارة العامة في لبنان»، تنفّذه «مبادرة غربال» لصاحبها أسعد ذبيان، بعد أن سبق وموّلت الجمعية نفسها عام 2018 للضغط لتنفيذ «قانون الحق بالوصول إلى المعلومات» الذي أقرّه مجلس النواب عام 2017.
يولي EED اهتماماً خاصاً بتمويل برامج تتعلّق بـ «مناصرة قضايا المرأة» - كما «مؤسسات المجتمع المنفتح» لصاحبها جورج سوروس. ولهذا الغرض، يموّل الصندوق الأوروبي «مركز جمانة حداد للحرّيات» بهدف «تطوير عمل المركز ليشمل مناطق متعدّدة من لبنان كالشمال والشرق (البقاع) والجبل والجنوب، بالإضافة إلى بيروت». المطلوب من مركز حداد هو «عقد مناظرات حول مواضيع مختلفة مثيرة للجدل، بما في ذلك النظام السياسي الطائفي في لبنان، والحركة النسوية، وحقوق المثليين، وحرية التعبير، مع منظمات المجتمع المدني المحلية التي تحظى باحترام كبير». تركيز EED على «حقوق المرأة في المجتمعات المهمّشة» يشمل السوريين واللبنانيين، ويركّز على مناطق بعينها، كمنطقة البقاع التي موّل فيها برنامجاً نفّذته جمعية «نبض»، وقد نصّ شرح المنحة على أنّ «نبض» ستعمل «مع أربع مجموعات من 15 امرأة لبنانية وسورية لتحسين حقوق المرأة في ريف البقاع، عبر رسم لوحة جدارية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وإنشاء فيلم للترويج لحقوق المرأة في مجتمعاتهن».
يفاخر EED بخلق منصّات إعلامية لبنانية «مستقلّة ذات مصداقية» مثل «درج» و«ميغافون»


ينشر EED عن إنجازاته ونجاحاته في تقاريره السنوية، إضافة إلى المؤتمرات التي يعقدها ويدعو إليها شخصيات حاصلة على تمويل منه. يمكن لحظ أنّ الصندوق الأوروبي يفاخر بأنّه ساهم بخلق منصّات إعلامية لبنانية يصفها بأنّها «إعلام جودة»، أو «إعلام مستقل ذو مصداقية». EED هنا يتحدّث عن موقع «درج» ومنصة «ميغافون» .
في آب عام 2020، بعد انفجار مرفأ بيروت، كتبت إحدى الحاصلات على منح سنوية من EED منشوراً في حسابها على «فيسبوك»، أساءت فيه إلى الشعائر الحسينية للطائفة الشيعية، واتّهمت ممارسي تلك الشعائر في عاشوراء بأنّهم «يسيّسون الحزن». يومها راسلت مجموعة من اللبنانيين الغاضبين سكريتاريا اللجنة التنفيذية لـ EED وطالبتها بمراجعة قرارات التمويل للمذكورة، كونها أساءت إلى حرية معتقدهم، التي من المفتَرَض أنّها من مقدّسات «الديمقراطية» التي يدّعون السعي لنشرها وتعزيزها. جاء جواب سكريتاريا EED حرفياً كالتالي: «تدعم EED وسائل الإعلام المستقلّة في العديد من البلدان بهدف زيادة الحوار الديمقراطي والمساءلة في المجال العام. أعضاء هذه المنصات الإعلامية ليسوا موظفين في EED، والمؤسسة ليست مسؤولة عن المحتوى الذي قد ينشرونه». يُذكَر أنّ المنصّات التي يموّلها EED مستنفرة منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في شباط الفائت لبثّ دعاية حلف الناتو. مثلاً في لبنان، خفّ منسوب التركيز على حزب الله ومحور المقاومة في مضمون المواد التي تنشرها هذه المنصّات (المستقلّة)، نظراً إلى انشغالها بمهاجمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتساوقها مع رواية الإعلام الليبرالي المعولَم عن الحرب الأوكرانية، في مؤشّر إلى مدى «استقلاليتها» عن أجندة المموّل الناتوي.