في خطوة تعكس إدراك الناشطين في الحراك ضرورة وجود تنسيق أكبر في المواقف والتصورات والأهداف، يشارك ممثلون عن أحزاب ومجموعات معارضة، في لقاء يعقد بعد ظهر اليوم في فندق كومودور ــــ الحمرا. «أبوية» الدعوة ضائعة. المُشاركون يؤكدون أنّ «دينامو» المبادرة هو الحزب الشيوعي اللبناني الذي تولّى التواصل مع الأحزاب والمجموعات الناشطة. أما الجواب الرسمي من قيادة الحزب فيأتي بأن «مجموعة من الأفراد والمجموعات تداعت للاجتماع. هي جلسة داخلية لمجموعات الانتفاضة، وفي الوقت نفسه مفتوحة لكلّ من يريد منهم الحضور. سنتناقش في الوضع الحالي، ونرى ما هو الأفق أمامنا بعدما بدأت الخيارات تضيق». يرفض المعنيون الحديث عن الموضوع، مُفضلين عدم تناوله في الصحافة والتكتّم عليه، حرصاً على نجاح الدعوة. «كلّ يوم تجتمع مجموعات عدّة للنقاش، لماذا تريدون الحديث عن هذا اللقاء قبل أن يحصل؟».
(هيثم الموسوي)

حتى الدعوة إلى لقاء «مُنظّم»، يحرص ناشطو الحراك على جعله «عملاً عفوياً». بحيث يبدو أن كلّ نوع من أنواع «الإطار المنظّم»، يُشكّل «خطراً» على نجاح أي حوار أو تنسيق أو مبادرة. أما السبب الآخر لرفضهم حصر الدعوة أو المبادرة بفريق دون غيره، فهو درءاً لأي «استفزاز» يمكن أن تُشكّله جهة معارضة لجهة معارضة ثانية، فمن سيحضر اللقاء يريده «جامعاً لا أن يكون تحت راية حزب مُعيّن»، بحسب أحد أعضاء المجموعات المُشاركة. والواضح هنا، أن الحراك الذي قلّص الفوارق بين قسم واسع من المواطنين، لم ينجح بعد في تخفيف «حساسية» الجهات الناشطة من بعضها البعض. ولكن بعيداً عن «تفصيل» مَن دعا إلى اجتماع اليوم، يُشكّل هذا اللقاء الخطوة الأولى نحو بناء خطاب سياسي واضح للحراك. بحيث لا تبقى بعد شهرٍ من انطلاقتها تدور في دائرة من العبثية وعدم وضوح الرؤية والشعارات العامة.
منذ بداية التظاهرات في العاصمة والمناطق، «تناقشنا أنّه يجب انطلاق الحوار في ما بيننا، بعد أن نكون قد حقّقنا إنجازاً في الشارع، وبعد أن يكون الجميع قد تعرّفوا الى بعضهم البعض»، بحسب مسؤول إحدى الجمعيات المُشاركة في لقاء اليوم. من هذه القاعدة، تبلورت «فكرة جلسة الحوار، التي من المفترض أن نُناقش خلالها أفكاراً سياسية: قانون الانتخابات، استقلالية القضاء، قانون الإثراء غير المشروع... فضلاً عن نقاط أخرى يُفترض أن تكون أولويات الحكومة الجديدة».
المجموعات التي قرّرت أن تلتقي هي، بشكل أساسي، التنظيم الشعبي الناصري، الحزب الشيوعي، حزب الكتلة الوطنية، وطني، لِحقّي، بيروت مدينتي، لبنان عن جديد... بالإضافة إلى أفراد ممّن تألفهم ساحات الاعتصامات، وممثلين عن المناطق. «نتكلّم اليوم في السياسة، وكيفية تحديد المطالب، وما هي الخطوات التي يجب أن يتضمنها البيان الوزاري المقبل»، تقول عضو تجمّع «وطني»، دارين دندشلي.
اللقاء ليس اختصاراً للانتفاضة الشعبية ولا تحضيراً لإطلاق قيادة


قد يعتبر البعض أنّ الاجتماع مُقدّمة لتبلور «قيادة» ما للحراك، ولا سيّما بعدما باتت المرحلة تستدعي نوعاً آخر من التنسيق ومقاربة الأمور في الشارع، حتى تكون المطالب موجّهة وتُحقق أهدافها بشكل أفعل. إلا أنّ دندشلي تنفي ذلك، مؤكّدة أنّ «اللقاء ليس اختصاراً للانتفاضة الشعبية ولا تحضيراً لإطلاق قيادة، ولن يكون شيء على شكل هيئة تنسيق الثورة أو سنُصدر بيانات مشتركة».
هي إذاً مُبادرة للنقاش والتنسيق، فبحسب أحد أعضاء اللجنة التنفيذية في حزب الكتلة الوطنية، «للجميع المطالب نفسها، ولكن المطلوب نقاش أعمق حول الوضع السياسي، وخاصةً أنّ من الواضح أنّ الأمور ستطول». ما الفرق بين اجتماع اليوم ولقاءات التنسيق التي كانت تقوم بها مجموعات الحراك سابقاً؟ يُجيب الكتلاوي بأنّها «تكملة لجلساتنا السابقة، ومحاولة لتطوير الخطاب السياسي أكثر». إلا أنّ عضو هيئة التواصل في الشؤون العامة علاء الصايغ يُحاذر الاقتراب من تعبير «سياسة»، فبالنسبة إليه، في الوقت الراهن «السياسة تؤزم الشارع. هناك أشخاص لديهم حقوق قرّروا أن يثوروا، لا ضرورة لتقديم خطاب سياسي لهم». لماذا تُشاركون اليوم؟ يُجيب بأنّه «صحيحٌ أنّه لا يوجد تنظيم قيادي نحن داخله، ولكن لا يوجد جهد تواصل نحن خارجه. مجموعات وأفراد تداعينا للنقاش». لم تجد هذه القوى بُدّاً من «الورشة الكبيرة»، للبحث في «إلى أين نحن سائرون، والتقييم، ومعرفة ما هي رؤية كلّ واحد منّا».
لن يصدر بيانٌ عن ورشة عمل «الكومودور»، كما أنّه لن يكون مفتوحاً أمام العامة، مع احتمال توسّعه وضمه مجموعات وأفراداً آخرين في المرحلة المقبلة.