كانَ من المُتوقَع الوصول إلى مواجهة حتمية بين حزب الله والقطاع المصرفي في لبنان على خلفية القانون الأميركي الرامي الى مُحاصرة الحزب ومنعه من الولوج الى النظام المالي العالمي. لكن لم يتوقع أحد ان يُستغَل هذا الخلاف، من بعض الجهات المجهولة، لضرب الوضع الأمني في لبنان بهدف توجيه أصابع الإتهام الى حزب الله، أو بالحد الأدنى تشويه صورته دولياً. اذ ستتناول معظم وسائل الإعلام العالمية القضية على أنها تصفية حسابات بين الحزب والمصارف في لبنان.بعد حادثة التفجير التي إستهدفت الفرع الرئيسي لبنك لبنان والمهجر، ليل الأحد الماضي، أصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى العمل على الوصول إلى نقاط مشتركة بين الطرفين حول كيفية تطبيق القانون الاميركي. ولا بد ان يقتنع القيّمون على هذا الملف في حزب الله بأن المصارف ملزمة بتطبيق هذا القانون وليس لديها خيارات عدة. كما على المصارف من الناحية الأخرى عدم المغالاة في تطبيق هذا القانون، وبالتالي الإلتزام بعدم مشاركة الإدارة الأميركية في الضغط على حزب الله من خلال الضغط على جمهوره.
بما أن عدد المصارف التي تطبّق عقوبات عنصرية تتخطى ما يطلبه الأميركيون لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، أصبح على حزب الله حصر مشكلته مع هذه المصارف لمنعها من التلطي خلف القطاع المصرفي كله، كما لا يجوز ممارسة المزيد من الضغط على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتحميله أكثر من قدرته على الاحتمال، مع العلم بأن بعض المصارف في لبنان أقوى من المصرف المركزي بحد ذاته، وبالتالي لا يملك حاكم مصرف لبنان الكثير لفرض ما يريده على تلك المصارف.
لا بد لحزب الله أولاً من فهم دقيق لروحية القانون الأميركي موضوع الخلاف بعيداً عن الإجتهادات والتحليلات، يتبعه بحوار مباشر مع المصارف المعنية (لا جمعية المصارف) للوصول إلى قواسم مشتركة تسمح للمصارف بتطبيق القانون الأميركي مع تعهدها عدم إقفال حسابات أشخاص ومؤسسات غير خاضعة للعقوبات الأميركية، مع العلم بأن من الممكن دائماً طلب إيضاحات من الخزانة الأميركية اذا كان هناك اختلاف في وجهات النظر حول بعض بنود القانون.
إن هذا الطريق إلى الحل ممكن، إذا افترضنا أن المصارف المعنية تقوم بما تقوم به من إجراءات تعسّفية بحق فئة من اللبنانيين نتيجة لفهم خاطئ للقانون الأميركي أو بسبب الخوف الزائد من اي خطوة ناقصة قد تعرض البنك لعقوبات أميركية. لكن للأسف، من الواضح أن المشكلة ليست كذلك، إذ لا يمكن للمصارف المعنية بأن يكون لديها نقص بتفسير القانون الأميركي، وبالتالي فهي مُتهمة بتنفيذ أجندات مشبوهة حتى تُثبت العكس. وإذا أخذنا بنك لبنان والمهجر، على سبيل المثال، فقد عمد البنك الى إغلاق عشرات الحسابات لأشخاص وجمعيات ليس لها علاقة بحزب الله، وغير خاضعة لأية عقوبات أميركية قبل صدور القانون الأميركي بشهور عدة، بالرغم من تعهد المعنيين الإلتزام بكل ما يطلبه البنك على صعيد الشفافية المالية.
مع الإشارة الى أنه لا يمكن التعويل على تعميم مصرف لبنان الرقم 137 وعلى قراره الذي يُلزم المصارف إبلاغ هيئة التحقيق الخاصة قبل إغلاق اي حساب. فقد كان موقفي منذ البداية بأنه لا يمكن الفصل بين مصرف لبنان والهيئات التابعة له، والمصارف اللبنانية لتشابك المصالح المشتركة.
أخيراً، إذا لم تقتنع بعض المصارف بضرورة النأي بالنفس عن مشروع محاصرة حزب الله، وتمتنع عن الإذعان للتحريض الدولي والاقليمي وتتوقف عن الإعتقاد بأن القطاع المصرفي في لبنان خط أحمر، فإننا سنشهد المزيد من التصعيد بين تلك المصارف والحزب الذي يرى نفسه ملزماً بالدفاع عن الأمن المالي لجمهوره. مواجهة سيكون الخاسر الأكبر فيها حتماً المصارف اللبنانية، ما يحتم على السياسيين في لبنان وعلى جمعية المصارف العمل على الحد من تهور بعض المصارف.