لم يكن مفاجئاً إعلان سبعة مشايخ من طرابلس، الأسبوع الماضي، تأسيسهم ما أطلقوا عليه "هيئة علماء الشمال الأحرار"، وما صدر عنهم من مواقف سياسية ودينية ووقفية، ورفضهم وجود فكر إسلامي متطرف في مدينتهم، وعرضهم قضاياهم وشكاواهم بسبب تراكم المشاكل داخل المؤسسة الدينية الأمّ للسنّة في لبنان، وخروج خلافاتها إلى العلن أكثر من مرة.غير أن ما لفت في حراك أصحاب العمائم هو التوقيت، والسؤال عن المدى الذي ستصل إليه هذه الخطوة، وما سيتبعها، فضلاً عما إذا كانت هذه الخطوة عفوية وطبيعية، وردة فعل على ما تشهده دار الفتوى في الشمال تحديداً (من دون إسقاط دور الفتوى في بقية المناطق) من ممارسات وأخطاء كانت دوماً موضع جدل واسع داخل جدران الدار وخارجه.
تقول مصادر مطلعة على الملف إن "شكاوى هؤلاء المشايخ هي شكاوى عامة ضمن صفوف المشايخ، وخصوصاً لجهة أجرة ساعة التدريس التي تبلغ 7 آلاف ليرة، ما يجعل أي شيخ لا يعمل عملاً آخر غير عمله، كالتدريس والخطابة والإمامة، يتبهدل ويشحذ لقمة عيشه وعيش عياله، كما أن المساعدات التي تأتيه تكون أشبه بالتسول".
المير: كلامي أثار انتقادات ضدي من قبل مشايخ مقربين من تيار العزم

وأوضحت المصادر أن "دعوة المشايخ السبعة للمفتي دريان لحلّ مشاكلهم، وتجاوزهم مرجعيتهم المباشرة وهي مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، يعود إلى مشاكلهم الكثيرة معه، وعدم ثقتهم بأنه سيحل هذه المشاكل بعدما ظهر بالتجربة أن ذلك متعذر وغير مجد".
وعن إعلان رفضهم السماح بالترخيص لأي معهد شرعي إلا إذا كان يتبع النهج الأزهري، تقول المصادر إن "ذلك متوقع من مجموعة المشايخ السبعة، وبينهم صوفيون وحنفيون. فهؤلاء لديهم موقف غير إيجابي من النهج السلفي، ولهم ملاحظات عديدة واعتراضات على نشر هذا المذهب في طرابلس، وما أثاره انتشاره برأيهم ورأي غيرهم من مشاكل عديدة، أبرزها بروز تشدد ديني لم تعرفه المدينة من قبل".
وتضيف المصادر في ما يتعلق بالترخيص للمعاهد الشرعية، أن "هذا الموضوع حساس للغاية، وتتداخل فيه عوامل سياسية ودينية واجتماعية وشخصية، نظراً الى تعقيدات كثيرة تتعلق به"، لافتة إلى أن دار الفتوى "لا تعطي تراخيص لهذه المعاهد حتى يطلب منها منعها عنها، لأن هذه المعاهد لا تحتاج أصلاً إلى ترخيص من دار الفتوى للعمل، إنما يكفيها الحصول على ترخيص وزارة التربية"، كاشفة أن المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى يدرس حالياً مشروع قانون يحصر الترخيص لأي معهد شرعي بدار الفتوى فقط قبل ممارسته أي نشاط".
ومع أن المشايخ السبعة لم يسمّوا المنهج السلفي بالاسم، فإنهم وفق المصادر "كانوا يقصدونه هو تحديداً، لأن المعاهد الدينية العشرة الموجودة في طرابلس حالياً يتبع منها ثلاثة فقط المنهج الأزهري، بينما السبعة الأخرى تتبع المنهج السلفي".
في موازاة ذلك، أظهرت حركة المشايخ السبعة وجود مشكلة عميقة بينهم وبين المفتي الشعار، لأنهم عدا تجاوزهم له، ولو تراتبياً، فضلاً عن عدم ذكرهم له بالاسم، من خلال دعوتهم المفتي عبد اللطيف دريان كي يعالج هذه المشاكل، فإنهم سألوا عن "استثمارات الأوقاف وأين تذهب، وهي لو استثمرت بشكل جيد ونافع لكفت المشايخ وفقراء عامة المسلمين، ولماذا سياسة التهميش والتجويع؟"، موجّهين إليه أصابع الاتهام، ولو بشكل غير مباشر.
هذا الواقع دفع الشيخ أحمد المير، الذي تحدث باسم المشايخ في مؤتمر صحافي عقده في منزله بأبي سمراء في طرابلس، إلى دعوة المفتي دريان "لعقد اجتماعات دورية لمفتي المناطق ورؤساء الدوائر، لتصميم وإعداد مشاريع استثمارية وتسهيلها من قبل مركزية دار الفتوى في بيروت"، ومعلناً أنه "لن نقبل بتولي أي شخصية منصب الإفتاء خارج النهج الأزهري".
طلب مني الشعار أن أتوقف عن الدعوة إلى تأييد الجيش والدولة أيام التوتر بين التبانة وجبل محسن

وكشف المير لـ"الأخبار" أن "أهداف تحرّكنا هي نشر الاعتدال، لأن أي مسلم أو لبناني لا يمكنه أن يطلب إلا الاعتدال، وخصوصاً بعد انتشار الفكر المتطرف في صفوف شبان المدينة وطلاب المدارس فيها"، موضحاً أن "أكثرية الشبان اللبنانيين الذين يذهبون للقتال في سوريا هم من طرابلس بسبب انتشار الفكر المتطرف فيها، وتجييش الشارع من قبل بعض الخطباء والمشايخ"، لافتاً إلى "ظاهرة بدأت تظهر في طرابلس وهي أنه بسبب التطرف بدأ بعض الشبان يتجهون نحو الإلحاد".
ونفى المير وجود أي دعم لتحركه مع المشايخ من قبل أي جهة، وقال: "كل ما قمنا به كان نتيجة جهد شخصي، ومع أنني أعمل في القطاع الديني في جمعية العزم والسعادة، إلا أنني لست منظماً معهم، لا بل إن كلامي أثار انتقادات ضدي من قبل مشايخ مقربين من تيار العزم".
وأكد المير: "نؤيد أي جهة سياسية تدعم الاعتدال والدولة والجيش"، كاشفاً أن "أحد أسباب التباين بيننا وبين المفتي الشعار أنه عندما كنت أخطب خلال فترة التوتر الأمني بين باب التبانة وجبل محسن، دعوت إلى تأييد الدولة والجيش، فطلب مني أن أتوقف عن ذلك، وقال لي: أنا أتحدث عنكم!".
هذا الواقع دفع المصادر إلى التساؤل عمّن يقف وراء حملة المشايخ السبعة على الشعار، الذي تعرض في الآونة الأخيرة "لحملات انتقاد قاسية، نتيجة مواقفه وأدائه"، لافتة إلى أن "خصوم الشعار باتوا كثراً، من الرئيس نجيب ميقاتي الذي تكاد الثقة بينه وبين المفتي تكون معدومة، والوزير السابق فيصل كرامي الذي تسود علاقته به منذ سنوات قطيعة وتوتر، والتيار السلفي وحركات إسلامية أخرى لم يبادر الشعار إلى فتح قنوات حوار وتواصل مع أي منها لتقريب وجهات النظر".
ويضاف إلى آخر خصوم الشعار في طرابلس الوزير أشرف ريفي، الذي شنّ عليه حملة قاسية في آخر إطلالة تلفزيونية له، ودعاه إلى أن "ينضبّ" ويهتم بالمشايخ بدلاً من اهتمامه بالسياسة، في إشارة منه إلى استقباله النائب سليمان فرنجية في منزله أخيراً.