strong>أثبتت الانتخابات البلدية في مرحلتها الثانية ما كانت قد بدأته في المرحلة الأولى، وهو أنّها انتخابات لها طابعها السياسي الذي لا يمكن التغاضي عنه. فقد حققت نتائج لها ارتداداتها السياسية. لكنّ المفاجأة الأكبر كانت خروج تيار المستقبل عن طوره، وشنّه هجوماً على... وزير الداخلية زياد بارود!شهدت المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية والاختيارية معارك سياسية حامية في البقاع وبيروت. وإذا كانت لائحة المجلس البلدي في بيروت، المدعومة من 14 آذار، قد فازت بما يشبه التزكية، فإنّ معركة المخاتير في الأشرفية أعادت خلط الأوراق، إذ حقّق التيار الوطني الحر وحلفاؤه تقدّماً ملحوظاً. وفي زحلة، قلب الوزير السابق إلياس سكاف الطاولة على رؤوس الجميع، فيما مُني المستقبل بخسائر غير متوقّعة في عدد كبير من قرى البقاع وبلداته.
وفي المحصّلة، واستناداً إلى النتائج الأوليّة، يمكن الوصول إلى الاستنتاجات الآتية:
ـــــ استعاد الوزير السابق إلياس سكاف زعامته الزحليّة، التي كان قد خسرها في الانتخابات النيابية الأخيرة. وأثبت أنّه ركن أساسي في الفريق المواجه لـ14 آذار لا يمكن تجاهله على المستوى الوطني، وخصوصاً أنّه حقّق فوزه في زحلة من دون التحالف مع التيار الوطني الحر في المدينة.
ـــــ حقّق التيار الوطني الحر وحلفاؤه في الأشرفية نتائج أحرجت فريق 14 آذار من دون أن تمثّل نصراً ساحقاً. ويمكن القول إنّ التيار الذي أُخرِج من الأشرفية في الانتخابات النيابية، قد عاد إليها بقوّة لا بأس بها. ففي المدوّر، حيث كانت المعركة محسومة، حاز التيار والطاشناق 8 مقاعد من 12، فيما خسر مقاعد الصيفي الأربعة في معركة كانت نتائجها محسومة هي الأخرى. أمّا في الرميل، حيث دارت أقسى المعارك، ففاز التيار، وفقاً للنتائج الأولية، بتسعة مقاعد من أصل 12. كما يرجَّح خرقه للائحة الأشرفية بمقعدين أو ثلاثة مقاعد، وخصوصاً أنّ الأرقام جاءت متقاربة جداً على عكس توقّعات ماكينة 14 آذار.
ـــــ إضافةً إلى النتائج الاختيارية، يمكن التيار الوطني الحر الادّعاء أنّ مقاطعته للانتخابات البلدية أسهمت في خفض نسبة الاقتراع في بيروت. الأمر الذي يؤهّل التيار لمواصلة مطالبته بتقسيم بيروت إلى دوائر انتخابية في الانتخابات المقبلة.
ـــــ لعلّ المفاجأة الأقوى لانتخابات أمس جاءت من البقاعين الأوسط والغربي، حيث سجّل تيّار المستقبل تراجعاً كبيراً في عدد من القرى والبلدات التي كانت تُعدّ معاقل له. ويمكن وصف ما جرى بـ«الانتحار» الجماعي للتيار الذي هيمن على مدى السنوات الماضية على المنطقة. وتُمثّل تلك النتائج ضربة كبيرة للمستقبل، الذي كان يريد الحفاظ على صورته ممثّلاً حصرياً وشبه وحيد للطائفة السنّية.

سجال المستقبل ــ بارود

حالما بدأت النتائج الأولية تظهر ليل أمس، شنّ تيّار المستقبل هجوماً عنيفاً على وزير الداخلية زياد بارود، وذلك على خلفيّة محاولة بارود تحليل أسباب تدنّي نسبة الاقتراع في بيروت، بردّها إلى عدم اعتماد النسبية. الردّ جاء قاسياً من تيار المستقبل. إذ لم يكتفِ النائب عمار حوري بوصف كلام بارود بـ«الموقف غير المسؤول»، بل انتهى في تصريحه الذي أدلى به من قصر قريطم، إلى التلويح بقرب انتهاء المستقبل السياسي لبارود، إذ قال: «نأسف لأن يبدي هذا الوزير الشاب، مثل هذا الموقف غير المسؤول في بداية مسيرته السياسية، التي كنا نأمل أن تطول وتخلو من أخطاء كهذه».
أما الوزير جان أوغاسابيان، فرأى في حديث إلى قناة «أخبار المستقبل» أن «صلاحيات وزير الداخلية والبلديات بالنسبة إلى إعلان النتائج الانتخابية واضحة»، مشيراً إلى أنه كان يتمنّى على بارود «عدم تسييس الموضوع».
هذا السجال المسائي أكدّ أن المعركة الانتخابية في بيروت كانت بشأن نسبة الاقتراع، لا تحديد أسماء الفائزين على اللائحة، التي عُدّت فائزة منذ إعلان تأليفها ورعاية تيار المستقبل لها.
أما النائب نهاد المشنوق، الذي لم يشارك في احتفال «انتصار» لائحة وحدة بيروت في قريطم، فقد خرج بموقف مخالف، دافع فيه عن حق بارود في الإدلاء برأيه، وإن كان لا يتفق معه. وقال في حديث إلى «أل بي سي» إنّ بارود «لا يخصّ رئيس الجمهورية ولا المسيحيّين، بل هو قيمة معنوية كبيرة وجديّة ومسؤولة، ويمثّل كلّ من يسعى إلى الإصلاح السلمي».
وصف حوري كلام بارود بـ«الموقف غير المسؤول»، ولوّح بقرب انتهاء مستقبله!
وكان بارود قد ردّ أسباب تدنّي نسبة الاقتراع، في مؤتمره الصحافي الذي عقده مساءً، إلى قانون الانتخابات أولاً، ثم إلى «السياسة والطقس». فجاءه سريعاً ردّ قاس من قصر قريطم على لسان حوري، جاء فيه: «معالي الوزير أعطانا في مؤتمره الصحافي آراءً، ولم يعطنا أرقاماً، وعزا تدنّي نسبة المشاركة في بيروت، أو ما يعدّه هو تدني نسبة المشاركة، إلى غياب نظام النسبية. هذا رأي لا يعكس موقفاً مسؤولاً من معالي الوزير المكلّف بحسب القانون إعطاءنا الوقائع أولاً قبل الآراء». وتمنّى على بارود «انتظار النتيجة النهائية ومقارنتها بنسبة المشاركة عام 2004، في أوج المعركة السياسية ضد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، التي كانت 23%. إننا نأمل من معالي الوزير أن يترك رأيه السياسي للوقت المناسب، ويدلي به في مجلس الوزراء، أو في مقابلات إعلامية خاصة، لا في لحظة وطنية جامعة، ينتظر فيها اللبنانيون كلاماً مسؤولاً».
الجدير بالذكر أنّ بارود كان قد أعلن فعلاً خلال النهار الانتخابي أنّ «المشاركة في الانتخابات البلدية عامَي 1998 و2004 كانت متدنّية أيضاً، في عام 2004 كانت نحو 23%، ولا أظن أن النسبة ستكون أكثر من ذلك، والأسباب عديدة: القانون، الإقامة في بيروت أو عدم الإقامة فيها، أو حتى ظروف المعركة والتنافس، لكن على مستوى النسبة، فهي مستغربة بحدود كبيرة».
ورداً على كلام حوري، قال بارود إنه «ليس مديراً عاماً يقرأ النتائج، بل وزير لديه صلاحيات، وعليه أن يمارس قناعاته وحرية التعبير... ومن غير المقبول أن يقول لي أحد بماذا عليّ أن أصرّح». موضحاً أن كلامه عن النسبية «جاء من قبيل الإصرار على موقف ترجمتُه في مشروع قانون دافعت عنه في 7 جلسات في مجلس الوزراء... ولم يكن بإمكاني إلّا أن أربط الإقبال على الاقتراع بالقانون الذي يجري الانتخاب على أساسه».
بدوره، وزير الشؤون الاجتماعية سليم الصايغ دخل على خط السجال مؤكداً لـ«LBC» دور بارود المميز، ومثنياً على الأداء النموذجي الذي حصل، وهو «عبّر عن موقف الحكومة بهذا الأداء»، مشيراً إلى أنّه لو أنّ «النسبية طُبّقت لكانت قد وفرت الكثير من التكهنات بشأن طائفية الانتخابات».

نتائج أوّليّة

وفيما كانت عمليات الفرز لا تزال جارية حتى ساعة متقدّمة من الليل، أمكن الحصول على النتائج الأولية الآتية:
في البقاع:
فازت المعارضة وخسرت اللوائح المدعومة من تيار المستقبل في البلدات الآتية:
جب جنين، القرعون، المنصورة، الروضة (فوز الأحباش والمعارضة السنية وخسارة لائحة مسؤول تيار المستقبل خالد طعمة)، الرفيد (فوز لائحة المعارضة برئاسة محمد منيب شحادة، بـ12 عضوا، وخرقت «الجماعة الإسلامية» بثلاثة أعضاء، وخسرت لائحة تيار «المستقبل» بكاملها). خربة روحا، برئاسة عبد الرحمن هاجر، فازت على تيار «المستقبل»، حيث حصدت 15 عضواً ومختارين. حوش الحريمي، كفريا، مجدل عنجر (فازت لائحة الرئيس الأسبق للبلدية سامي عجمي، المعروف في المنطقة بقربه الشديد من سوريا)، تعلبايا (فوز لائحة مدعومة من المعارضة في مقابل لائحة يرأسها بلال الحشيمي المنتمي إلى تيار المستقبل)، مجدل بلهيص، سعدنايل (فوز لائحة من العائلات الكبرى على اللائحة التي يرأسها الرئيس الحالي للبلدية المقرّب من تيار المستقبل عصام رحيمي ومحمد الحمصي، شقيق زياد الحمصي الذي هو نائب رئيس المجلس البلدي الحالي، والذي تجري محاكمته بجرم التعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية. واللائحة الخاسرة معروفة في المنطقة تحت اسم لائحة الوفاء لزياد الحمصي، وكان معارضوها يتهمون منسق تيار المستقبل في البقاع الأوسط أيوب قزعون بدعمها. وكان مشروع اللائحة الرابحة يتضمن تشديداً على تاريخ البلدة المقاوم في سبيل القضية الفلسطينية).
صغبين: فوز لائحة مدعومة من التيار الوطني الحر في مقابل لائحة مدعومة من النائب روبير غانم والقوات.
خربة قنافار: فوز التحالف العوني ـــــ هنري شديد. عميق: فوز لائحة مدعومة من التيار الوطني الحر والقومي.
عيتنيت: فوز لائحة مدعومة من التيار الوطني الحر والقومي.
أما البلدات التي فاز فيها تيار المستقبل، فعُرف منها: قب الياس، بر الياس، المرج، لالا، البيرة، الصويرة، مدوخا، والخيارة.
وفي راشيا، فازت اللائحة المدعومة من الحزب التقدمي الاشتراكي. كما فازت لائحة التحالف الحزبي والعائلي في مشغرة.
الأشرفية:
أما بالنسبة إلى نتائج المعركة الاختيارية في الأشرفية، فقد بيّنت النتائج الأولية الآتي:
في الرميل، فاز 9 مخاتير من لائحة التيّار الوطني الحرّ وحزب الطاشناق، أما لائحة 14 آذار، فقد فاز منها 3 مخاتير بحسب موقع التيّار الوطني الحرّ. وأشار موقع التيّار إلى فوز لائحة 14 آذار بـ 10 مخاتير من أصل 12، وخرق التيّار بمقعدين في الأشرفية.
وفاز في الصيفي مرشحو 14 آذار الأربعة، وفي المدوّر، فازت اللائحة التوافقيّة، التي ضمّت 8 مخاتير للتيّار الوطني الحرّ وحزب الطاشناق، ومختاراً لكلّ من: حزب الهنشاك، حزب الرامغافار، تيّار المستقبل والمطران بولس مطر.
(الأخبار)


21% نسبة الاقتراع في بيروت

أعلن وزير الداخلية زياد بارود، أمس، نسب المشاركة في التصويت في مؤتمره الصحافي الذي ختم عملية الانتخاب، على النحو الآتي: «في البقاع وبعلبك، المعدل الوسطيّ 49% عند إقفال الصناديق، هذه النسبة كانت موزّعة كالآتي: أدناها 43% في راشيا، 46% في البقاع الغربي، 52% في بعلبك، 55 % في زحلة، 49% الهرمل.
أما في بيروت ككل: فالمعدل الوسطي 21% من المسجّلين، هذا الرقم متدنٍّ مقارنةً بسائر المحافظات: 11% ميناء الحصن، 31% المزرعة، 22% الأشرفية، 22% الرميل، 19% الصيفي، 16% المدوّر، 17 دار المريسة 17%، زقاق البلاط 19%».
ورأى بارود أنّ النسبة «مقبولة جداً في البقاع وبعلبك ـــــ الهرمل وتقارب الـ50%، على الرغم من أن 54 بلدية في البقاع فازت بالتزكية، أي نحو 35% من البلديات. أما في بيروت، فالنسبة متدنّية بسبب النظام الأكثري البسيط، ولو اعتُمد النظام النسبي لكان قد مثّل حافزاً لمشاركة أكبر». وأضاف سبباً آخر لعدم توافد المقترعين بكثرة في بيروت هو: «السياسة والطقس».