(1)


قصف الإرهابيون ــــ أو «المعارضة المسلّحة» إنْ شئت، فلا فرق ــــ قاعة امتحان في كلية الهندسة، الاربعاء 2 أيلول 2015؛ ودّعت دمشق شهيدين من طلاب الهندسة، كانا، في الليلة الماضية، وردتين يفوح منهما عطر الشباب، تسقيهما والداتان متلهفتان وخائفتان، بالحنان؛ احداهما تنصح ابنها بالنوم: «يكفي. نمّ لكي تستيقظ نشيطاً»، والاخرى تعدّ، صامتةً، فنجان قهوة جديداً للابن الموغل في الدرس.

«صباح الخير»! نسمات باردة تمنح الطلاب المبكّرين، البهجةَ، تمسح عنهم تعبَ السهر. في قاعة الامتحان، أولاد وبنات، مهندسو ومهندسات المستقبل، من كل الطوائف والعصبيّات ومن كل الطبقات ــــ فجامعة دمشق مجانية. ليسوا مقاتلين ولا جنوداً ولا «شبيحة» ولا أعضاء في المقاومة اللبنانية؛ مجرد شباب وشابات، قلقون وقلقات من أسئلة الامتحان أكثر من الحرب؛ تغيب الحرب ويحضر الامتحان، يحضر الزهو بالمعرفة؛ فجأة، ينفجر الحقد السعودي ــــ الارهابي ــــ «المعارض» (سّمه ما شئت، فلا فرق) في القاعة المكتظة بالأحلام؛ تتناثر الأماني مع الأجساد الشابة، تتبلل دفاتر الامتحان بالدم، هناك شهيدان وجرحى كثيرون، هناك أمهات أخذتهن الصدمة إلى الغياب، اثنتان منهما ذهبتا نحو السواد والفجيعة، أخريات الى المشافي، وأخريات استقبلن الأبناء الناجين، حزيناتٍ، يدور، في عقولهن، الصراع بين رغبتهن (الطبيعية) باستمرار الحياة والامتحانات والتحضير للزمن الآتي، وبين خوفهنّ (الغريزي) على فلذات الأكباد.


(2)


في الليل، المزيد من الآباء السوريين يناقشون مع الأمهات، خياَر الهجرة، بينما تصمت الأمم المتحدة والحكومات «الليبرالية» والفضائيات والصحافة ومنظمات حقوق الانسان؛ لا أحد يندّد بالجريمة، سوى الحكومة السورية والتلفزيونات السورية، في الأثناء، يضجّ النضال الاعلامي بالحديث عن اللاجئين السوريين الهاربين من «براميل» النظام المتفجرة!

(3)


كلا! ينبغي ان تتوقف هذه المأساة وتنهار هذه الجبال من قمامة الأكاذيب، أولاً، السوريون يهاجرون الى المناطق التي يسيطر عليها الجيش العربي السوري، هرباً من عنف المليشيات الإرهابية، والتقاتل الجهادي، والخوّات، و»الجزية» والموت، ثانياً، يقصف الإرهابيون، الحياة اليومية خصوصاً في دمشق وحلب واللاذقية (حيث اودت سيارة مفخخة بعشرات الشهداء والجرحى، الثلاثاء الماضي) لكي يبرهنوا للسوريين انه لا يوجد مكان آمن في بلادهم، وان الحلّ الوحيد هو الهجرة.
لكن الحكومة السورية، شكلاً ومضموناً، مسؤولة عن الدافع الثالث للهجرة؛ فبينما تخوض سوريا، أكثر الحروب شراسة، بقيت البلاد، منذ حوالي خمس سنوات من الأهوال، من دون حكومة حرب عسكرية، هي وحدها، القادرة على أن تدير، في الآن نفسه، العمليات الحربية وعمليات الإعاشة، وتضبط الاسعار و»الشبيحة» وتتأكد من ان السوريين ينامون شبعى، وان الخدمات العامة مستمرة وكفوءة، ولا تتعامل مع الازمة المعيشية الناجمة عن الحرب، بعقلية تقليدية بيروقراطية مضمخة بالليبرالية الاقتصادية التي تمنح الاولوية لحسابات الارقام، وليس لاحتياجات البشر وكرامة الانسان.


(4)


أفهم ــــ ولا أتفهَّم ــــ اليأس الذي يدفع رجلاً لكي يغامر بأسرته في قارب مهدد بالغرق، احتمالات نجاته 50 في المئة، وتنعدم الى الصفر، حين تتربص بالقارب، عصابةٌ من القرصان الاتراك المتخصصين باغراق المهاجرين لبيع اعضائهم للشبكات الطبية الاجرامية: تركيا أردوغان، تقتل السوريين في بلادهم، وتُغرق السوريين في عرض البحر، تسرق مصانعهم وثرواتهم... وأجسادهم الغارقة في حلم الهجرة الزائف.


(5)


لكنْ، لا أحد يتفوّق على الهمجية السعودية، على وقاحة الرياض؛ فهي، بعدما دمرت سوريا وهجرت الملايين من شعبها، تقترح ما يلي:
1 ــــ تزويد المهاجرين بقوارب حديثة كفوءة،
2 ــــ وتمويل بناء 200 مسجد للاجئين السوريين في ألمانيا!
ولا يسأل أحدٌ أولئك المجرمين ــــ ملوك الإرهاب؛ لماذا لا يدعونَ اللاجئين السوريين للإقامة في السعودية، والصلاة في مساجدها؟