في إطار السجال الأميركي - الإسرائيلي المتواصل حول ما بات يُعرف بـ«مقترح بايدن» لوقف إطلاق النار في غزة، وما يتفرّع منه من تباينات حول «رؤية اليوم التالي» للحرب على غزة، نشر مركز «ويلسون» البحثي، الشهر الماضي، تقريراً مفصّلاً بعنوان «خطّة غزة لِما بعد الحرب»، أعدّه كلّ من الديبلوماسي الأميركي السابق جيمس جيفري، ونائب رئيس «معهد القدس للإستراتيجية والأمن» الذي شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيران ليرمان، إلى جانب كلّ من اللواء المتقاعد كيث دايتون، ورئيس تحرير دورية «منبر القدس الإستراتيجي» روبرت سلفرمان، والباحث في «آتلانتك كاونسل» توماس واريك. وفي ما يلي، أبرز ما جاء في ذلك التقرير:
«دور إسرائيل في مرحلة ما بعد الحرب في غزة»
تشدّد الخطة على أن دعم إسرائيل لفكرة اضطلاع الولايات المتحدة بأدوار قيادية، سواء لجهة تشكيل «مجموعة الاتصال الدولية»، أو تكليف «السلطة المتعددة الجنسيات» المعنية بمسؤوليات إدارة غزة تحت إشراف تلك المجموعة، سيكون ضرورياً لتلافي الفراغ الأمني في القطاع، فور إبداء الجيش الإسرائيلي جهوزيته لنقل هذه المسؤوليات، التي تراوح بين «المهمات الأساسية لحفظ الأمن»، وأخرى ذات طابع محدود متعلّقة بالنازحين والمساعدات الإنسانية وغير ذلك، على أن يصار إلى «نقل المهمات المشار إليها إلى كيانات فلسطينية محلّية عندما تصبح الظروف مؤاتية لذلك».
ويرى معدّو التقرير أنه «لا خيار عمليّاً وقابلاً للتطبيق أفضل من إنشاء سلطة دولية لإدارة غزة، ولا سيما أن إدارة جو بايدن تبدو متردّدة حيال إمكانية القيام بأيّ دور عملي ملحوظ في القطاع»، إذ تفضّل تسليمه إلى «سلطة فلسطينية مُعاد تأهيلها»، وهما أمران «لا تبدي إسرائيل رغبة في القبول بأيّ منهما، لأسباب أمنية، إضافة إلى عدم رغبتها في إعطاء تعهّدات أمنية من النوع الذي يملي عليها الشروع في احتلال طويل الأمد للقطاع». كما أن «أياً من الدول الأخرى لا تبدو في وارد تقديم التزامات مماثلة، ومن بينها مصر والأردن»، فيما إمكانية قيام حلف «الناتو» أو الأمم المتحدة بأيّ دور عسكري وأمني في غزة في مرحلة ما بعد الحرب، مستبعدة، على اعتبار أن «أولوية الحلف على المدى المنظور، تتلخّص في مجابهة التهديد الذي تمثّله روسيا»، فضلاً عن «عدم نجاح» مهمّة قوات حفظ السلام في جنوب لبنان. ولذا، إن إسرائيل مطالبة بـ«الموافقة على بعض الشروط الأميركية»، وتحديداً لناحية «توحيد قطاع غزة والضفة الغربية تحت سلطة حكومة فلسطينية».
تركّز الخطة على «حاجة إسرائيل إلى الاحتفاظ بحريتها في القيام بعمليات أمنية» في قطاع غزة


في المقابل، تركّز الخطة على «حاجة إسرائيل إلى الاحتفاظ بحريتها في القيام بعمليات أمنية، ولا سيما أن الحملة الحالية على غزة لن تسفر عن اعتقال أو تصفية كل مقاتل من حماس، بمن فيهم أولئك المتمركزون في مناطق يعتبرها الجيش الإسرائيلي آمنة». ومن المتوقع، مع مرور الوقت، أن تتحوّل العمليات الأمنية الإسرائيلية من النوع الذي يغلب عليه الطابع العسكري، إلى أسلوب العمليات الخاصة الأكثر تركيزاً، بينما سيتعيّن على القوة الشُرَطيّة المتعددة الجنسيات، أن تتمكّن ضمن مدة تراوح بين 6 و12 شهراً، من اكتساب مستوى معيّن من القدرات التي تتيح لها التخفيف من حدّة اعتمادها على الجيش الإسرائيلي، والقيام بعمليات حفظ الأمن بطريقة مماثلة لما تقوم به الشرطة المدنية الفلسطينية وقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في الوقت الحالي في الضفة الغربية، مع الاستمرار في تلقّيها المعلومات الاستخبارية، وحصولها المستمرّ على التغطية الجوية للطيران المسيّر، إضافة إلى أشكال أخرى من الدعم من جانب إسرائيل.
وفي هذا المجال، تبدو لافتةً تبعية «السلطة المتعددة الجنسيات» شبه المطلقة لإسرائيل، وذلك على أكثر من صعيد: كالتمويل، والخدمات اللوجستية، والدعم الاستخباري، وتوفير المقار والمباني المؤقتة، وتحديداً في المراحل الأولى من الخطة، التي ترجّح أن «تتمكّن السلطة المذكورة من تحقيق استقلالها المالي والإداري في غضون ستة أشهر، واكتساب مواردها الخاصة»، وأن تلجأ إلى الاستعانة بآلاف الغزّيين لشغل وظائف كان يشغلها عناصر من حركة «حماس»، فيما «سيتعيّن على إسرائيل أن تخطّط لإخضاع هؤلاء للتدقيق (الأمني)، في موازاة إعادة فتح نقطة عبور واحدة على الأقل، تكون مخصّصة لانتقال المدنيين بين القطاع وإسرائيل»، إلى جانب تولي مهمة الكشف على البضائع والأشخاص الداخلين إلى غزة والخارجين منها عبر معبر فيلادلفيا، وتحديداً على الجانب الفلسطيني منه.

الدور الأميركي
سيكون على الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب أن تأخذ زمام المبادرة لجهة إرساء الركائز الثلاث لتحقيق الاستقرار في غزة (تحقيق الأمن، وإعادة الإعمار، ومكافحة التطرّف)، بالنظر إلى كونها الطرف الدولي الوحيد الذي تتوافر لديه الإرادة السياسية لضمان أمن إسرائيل، إضافة إلى قدرتها (الإدارية واللوجستية) على تشكيل الهياكل العسكرية المطلوبة في قطاع غزة، والذي سيتم التنسيق في شأنه مع حكومات أخرى. وإذ «سيتوجّب على السلطة المتعددة الجنسيات أن تقدّم تقاريرها بشكل رسمي، إلى مجموعة الاتصال الدولية التي ستتألّف بادئ الأمر من قرابة 12 دولة، بما في ذلك دول منضوية في إطار مجموعة السبع، وأخرى في إطار مجموعة العشرين (كأستراليا وكوريا الجنوبية مع توجيه دعوة إلى انضمام السعودية والإمارات)، إضافة إلى كل من إسرائيل ومصر»، فمن المستبعد «أيّ انتشار واسع النطاق لقوات برّية أميركية في مناطق عمل القوة الشُرَطيّة»، أو إمكانية اشتراكها في تسيير الدوريات اليومية الروتينية لتلك القوة، لأسباب تتعلّق بردّ الفعل (السلبي) المحتمل لأهالي غزة إزاء وجود أيّ قوة دولية في القطاع. ومع ذلك، يتعيّن على واشنطن، وفقاً للخطة، أن «تصرّ على تولّي مواطنيها عدداً من المناصب القيادية في «السلطة المتعددة الجنسيات»، شرط ألا يكون رئيسها من حاملي الجنسية الأميركية. وفي ما يخصّ دور «مجموعة الاتصال الدولية»، «سيتعين على الولايات المتحدة استحداث مكتب أمانة عامة خاص بالمجموعة داخل وزارة الخارجية، تكون مهمّته تنسيق أعمالها، كما هو واقع الحال بخصوص التحالف الدولي ضدّ تنظيم داعش».

«عناصر حاكمة»
تلحظ الخطة ما يمكن أن توفّره الدول العربية من «إسهامات كبيرة» لـ«السلطة المتعددة الجنسيات» على كل المستويات العسكرية واللوجستية والاستشارية، وكذلك المالية، وتحديداً على صعيد إعادة الإعمار. ومع هذا، فهي تقر بأن «بعض تلك الدول سيبدي تردّداً إزاء العمل بشكل مباشر مع الحكومة الإسرائيلية، فيما قد يكون البعض الآخر مستعدّاً للانضواء في القوة الشرطية، بالتعاون مع الولايات المتحدة، أو ضمن إطار تحالف متعدد الجنسيات». وعليه، فإن موقف الولايات المتحدة سيكون محكوماً بـ«أولويات متناقضة» داخلياً وخارجياً، في طليعتها الخشية على استقرار الحكومات العربية الحليفة لها، في ظلّ «تفاقم مشاعر العداء لإسرائيل»، وما نجم عنه من «سوء فهم لمتطلبات الأمن الإسرائيلي مستقبلاً».
كذلك، تستعرض الخطة جملة قرارات يمكن أن تتّخذها إسرائيل، أو حليفتها الولايات المتحدة، قد تعرّض المشروع للفشل، ومن ضمنها أن تسعى الأولى إلى «احتلال غزة للسنوات العشر المقبلة، بما يعنيه هذا من تكاليف قد تترتّب عليها، سواء على مستوى الموارد المالية والبشرية، أو على مستوى المخاطر السياسية المصاحبة له على المستوى الدولي». والجدير ذكره، هنا، أن المقترح لا يشتمل على «تسوية سياسية نهائية للوضع في غزة، أو للقضايا (السياسية) العالقة الأوسع نطاقاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين (كمسألة حل الدولتين، ووضع القدس وأمور أخرى)»، فضلاً عن «عدم شموله مخططاً في شأن توفير الإمدادات الإنسانية الفورية اللازمة لأهالي غزة، باستثناء إشارته إلى دور رئيسي لمصر، لناحية الاستمرار في تسهيل وصول تلك الإمدادات». أيضاً، ثمّة بنود تتيح لإسرائيل التملّص من وقف إطلاق النار في عدد من مناطق قطاع غزة، حتى في حال البدء في تنفيذ الخطة، إذ تنص على أنه «من المحتمل أن تكون هناك مدة زمنية قد تمتد لأشهر، تفصل ما بين موعد انتهاء العمليات العسكرية النشطة، وما بين موعد وقف الأعمال العدائية بشكل تام».
وبخصوص «الأهداف الإستراتيجية» المتوخاة من ورائها، تتحدث الخطة عن «إنهاء دوامة الحروب بين إسرائيل وغزة، بما يكفل إنهاء حكم حركة حماس المدعومة من إيران، وعدم وقوع هجمات تقليدية أو لامتماثلة مستقبلاً من جانب حماس أو أيّ تنظيمات مسلّحة أخرى داخل غزة، وخارجها ضدّ إسرائيل ودول أخرى»، إلى جانب «حشد الدعم الدولي لتشكيل بيئة أمنية وسياسية جديدة في مرحلة ما بعد حكم حماس في غزة»، و«منح الفرصة لأهالي غزة لبناء واقع اجتماعي واقتصادي أفضل، مع التشديد على استحالة تحقيق ذلك من دون القبول بالتعايش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل، ومن دون الشروع في (حملة) لمكافحة التطرّف في غزة».