رام الله | قبل بزوغ شمس الخميس، بدّدت قوات الاحتلال هدوء مدينة جنين ومخيّمها، بإطلاقها عملية عسكرية، فجر أمس، بدأت باقتحام كبير لحيّ الجابريات، حيث داهم الجنود منازل في سكن الأطباء في الحيّ، وأَطلقوا الرصاص على شاب قبل اعتقاله، كما فجّروا دراجة نارية، لتتوالى من بعد ذلك التعزيزات العسكرية إلى المدينة والمخيّم، مصحوبةً بجرافات عسكرية، شرعت في عملية تجريف وتدمير واسعة للشوارع والميادين والبنى التحتية، وسط تحليق للطائرات المسيرة، وتمركُز للقناصة على أسطح عدد من المنازل. وأفادت مصادر محلّية، «الأخبار»، بأن قوات الاحتلال اعتدت على الطواقم الطبية ومركبات الإسعاف، فضلاً عن قيامها بأعمال تجريف واسعة للبنية التحتية وممتلكات المواطنين في شارعَي الناصرة وحيفا، وفي محيط مدرسة «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» في المخيّم، وحيَّي الجابريات والزهراء، ودوار الجلبوني، وبرقين، وسوق الخضار في شارع أبو بكر، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن عدّة أحياء، كما دمَّرت صرح الشهداء، وداهمت المسجد التركي في الجابريات. ووفقاً للمصادر المحلية، اعتقلت قوات الاحتلال الشابين أمير محمد أبو حجاب، وأحمد عتابة، في جبل أبو ظهير، وابتسام صالح تركمان، للضغط على نجلها مصطفى تركمان لتسليم نفسه.وفي وقت لاحق، اقتحمت قوة خاصة من جيش الاحتلال بلدة قباطية جنوب جنين، حيث اندلعت اشتباكات مسلحة، وصفت بالعنيفة، بين المقاومين والقوة، على مدار ساعات. وفي خلال الاقتحام، حاصر جنود العدو منزلاً تواجد فيه عدد من الشبان المطلوبين، فيما حاول المقاومون فكّ الحصار عن المنزل. وقالت «سرايا القدس - كتيبة جنين» إن مقاوميها يخوضون «اشتباكات مع قوات الاحتلال بالأسلحة الرشاشة والعبوات في محيط المنزل المحاصر»، لتعود قوات الاحتلال وتطلق 6 قذائف «أنيرغا» على المنزل، وتستقدم تعزيزات عسكرية من بينها جرافة شرعت في هدمه، والتنكيل بجثمان أحد الشهداء في محيطه، حسبما أظهرت مقاطع مصورة، فيما مقاطع أخرى بيّنت التنكيل بجثمان شهيد ثانٍ. أيضاً، أطلقت قوات الاحتلال النار بشكل مباشر تجاه الصحافيين خلال تغطيتهم الاقتحام، ومنعت طواقم الإسعاف من الوصول إلى مكان الإصابات. وبعد عملية استمرت 13 ساعة، اعترف جيش العدو بإصابة جندي خلال العملية التي شاركت فيها وحدة «دوفدوفان» والقوات الخاصة في قباطية. وفي المقابل، أفيد عن استشهاد كل من محمد شلبي ومحمد تركمان (العصري) بعد محاصرتهما واشتباكهما مع قوات الاحتلال، بالإضافة إلى استشهاد الشاب قيس محمد زكارنة بعد إصابته برصاص العدو في الرأس.
وكان الاحتلال أعلن، صباح أمس، مخيّم جنين «منطقة عسكرية مغلقة» يُمنع الدخول إليها والخروج منه، وهو ما يؤشر إلى أن العملية العسكرية ستستمرّ لأيام عدّة، فيما أكدت المصادر المحلية أن جيش العدو شرع في عملية تخريب وتدمير واسعة، بالتزامن مع اقتحامه منازل ومحال تجارية، وتفتيشه إياها، إلى جانب تدمير ميدان الشهيد يحيى عياش ومحيطه، وتخريب الطرق والبنية التحتية في مخيم جنين، خاصة مدخل جورة الذهب، وحارة الحواشين. وأفادت «جمعية الهلال الأحمر» بأن قوات الاحتلال اعتدت على طاقم إسعاف تابع للجمعية، أثناء محاولته الوصول إلى إصابة في حيّ الجابريات، فيما أكد شهود عيان أن جنود الاحتلال احتجزوا مركبات الإسعاف في أكثر من منطقة وعرقلوا عملها.
أعلن الاحتلال، مخيّم جنين «منطقة عسكرية مغلقة» يُمنع الدخول إليها والخروج منه


ومنذ لحظات الاقتحام الأولى، اندلعت اشتباكات مسلّحة عنيفة بين المقاومين والقوات المقتحمة، سُمعت أصواتها في أكثر من محور في المدينة ومحيط المخيم، كما دوت انفجارات عدّة، جرّاء تفجير المقاومة عدداً من العبوات الناسفة بآليات العدو. وأعلنت فصائل المقاومة، تباعاً، خوض مقاوميها مواجهات مع الاحتلال، ونجاحها في تفجير عدّة عبوات ناسفة بآلياته؛ إذ أكدت «كتيبة جنين» أن مقاتليها فجّروا عدداً من العبوات بتلك الآليات، وحقّقوا إصابات مباشرة، فيما أعلنت «كتائب شهداء الأقصى» في جنين استهداف مقاتليها جنود العدو وآلياته المقتحمة للمخيم من عدة محاور. وقالت مصادر محلية، لـ«الأخبار»، إن العملية العسكرية جاءت بعد ساعات من نشاط استخباراتي إسرائيلي في سماء المحافظة، حيث لم تغادر الطائرات المسيّرة سماء المدينة، خاصة بعد المجزرة الدموية التي ارتكبتها قوات الاحتلال في بلدة كفر دان في المحافظة، وراح ضحيتها 6 شهداء. وكانت عاشت مدينة جنين، الأربعاء، حداداً شاملاً، بالتزامن مع تشييع 5 شهداء ارتقوا في مجزرة كفر دان، الثلاثاء، حيث أغلقت المحال التجارية والمؤسسات في المدينة أبوابها.
ويُعدّ العدوان على جنين، جزءاً من عدوان أشمل بات يستهدف يوميّاً وعلى مدار الساعة، مدن الضفة الغربية وقراها، حيث يخوض العدو حرب استنزاف شبه يومية، أسفرت، منذ السابع من أكتوبر، عن استشهاد 544، 147 منهم في جنين. وشهدت مدن ومحافظات الضفة، أمس، اقتحامات واسعة، تخلّلتها مداهمات وعمليات تفتيش ومواجهات في بعض المحاور، واعتقالات، واشتباكات أيضاً. اقتحمت قوات الاحتلال مدينة دورا وسط الخليل، حيث اعتقلت مسنّاً فلسطينيّاً بعد الاعتداء عليه، وأطلقت الرصاص الحيّ وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، كما أقامت الحواجز في المدينة وعرقلت حركة المرور واعتدت على عدد من أصحاب المحال التجارية.
كما شهدت مناطق متفرّقة في نابلس اقتحامات مشابهة، منها قرية مادما، حيث داهمت قوات الاحتلال عدداً من المنازل، إضافة إلى قرى عوريف وتل وروجيب، فيما أُصيب عشرات المواطنين بالاختناق جرّاء إطلاق جيش العدو قنابل الغاز خلال مواجهات في بلدة بيتا. وفي القدس المحتلّة، أعلنت شرطة الاحتلال، أول من أمس، إصابة فلسطيني مقدسي بجروح خطيرة، و3 آخرين بجروح طفيفة برصاص مجموعة من الجنود في البلدة القديمة. وأفادت مصادر محلية، بأن مجموعة من الجنود بزي مدني هاجموا محلّاً تجاريّاً في سوق البازار في البلدة القديمة، وأطلق أحدهم الرصاص على صاحب المحل ونجله، ما أدى الى إصابتهما بجروح، وجرى نقلهما إلى المستشفى، فيما أغلقت قوات العدو المكان، ونكّلت بالمواطنين، بالتزامن مع اعتداء المستوطنين على أصحاب المحال التجارية والمارة.