أقرّ مجلس النواب الأميركي، الثلاثاء، مشروع قانون مدعوم من الجمهوريين، ينص على فرض عقوبات على «المحكمة الجنائية الدولية»، بعدما أوصت الأخيرة، في وقت سابق، بإصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه، يوآف غالانت. وبعدما ضمّ 42 ديموقراطياً في المجلس أصواتهم إلى أصوات الجمهوريين، تمّ تمرير مشروع القانون بغالبية 247 صوتاً مقابل 155. وبذلك، يكون الديموقراطيون الذين صوتوا لمصلحة المشروع، قد ساروا بعكس رغبة البيت الأبيض الذي اعتبر، أخيراً، أنّ فرض عقوبات على المحكمة «ليس الحل» المناسب للرد على قرارها. على أن الخطوة التي اتخذها «النواب» يمكن اعتبارها شبه «رمزية»؛ إذ يبدو أن حظوظ تمرير المقترح في مجلس الشيوخ، ذي الغالبية الديموقراطية، شبه معدومة. كما أنه طبقاً لمستشاري الرئيس الأميركي، جو بايدن، فإنّ الأخير «يعارض بشدة» الإجراء، لأنّه سيتسبب في فرض عقوبات على «فئة واسعة» من المسؤولين، ما قد يلحق، بشكل غير مباشر، الضرر بعدد من الأميركيين والشركات الأميركية التي «تجمعها أعمال مهمة» مع المحكمة، ويقوض الجهود المبذولة في «قضايا أخرى» تبحث فيها الأخيرة، مثل الحرب الأوكرانية، علماً أنّ القانون يقضي بـ«تقييد الدخول إلى الولايات المتحدة، وإلغاء التأشيرات، وفرض قيود مالية على أي شخص في المحكمة متورط في محاولة التحقيق مع (الأشخاص المحميين) من الولايات المتحدة أو حلفاء واشنطن، أو اعتقالهم أو احتجازهم أو مقاضاتهم»، وعلى عائلاتهم حتى، ويستهدف أيضاً أي شخص يقدّم «الدعم المالي أو المادي أو التكنولوجي» لمثل تلك الجهود.
تبدو حظوظ تمرير مشروع القانون في «الشيوخ» الأميركي شبه معدومة


ويجادل عدد من الديموقراطيين بأنّ مثل هذا القرار سيفضح، بشكل أكبر، «ازدواجية» معايير السياسة الأميركية، ولا سيما في وقت تستمر فيه واشنطن في دعم اتخاذ المحكمة إجراءات عقابية بحق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على خلفية الحرب الدائرة في أوكرانيا. وفي هذا الإطار، نقلت بعض وسائل الإعلام عن النائب جيم ماكغفرن (ديموقراطي من ماساتشوستس)، قوله إنّه يواجه بالفعل «صعوبة في تفسير ازدواجية معايير الولايات المتحدة، في كل مرة ألتقي فيها بممثلي الحكومات الأجنبية»، معتبراً أنّ أفضل «هدية» يمكن أن تقدمها واشنطن لروسيا والصين هي «تقويض سيادة القانون الدولي». وفي الاتجاه نفسه، قالت النائبة ماري سكانلون (ديموقراطية من بنسلفانيا)، خلال جلسة استماع الإثنين، إن الخطوة لن تسهم بأي شكل «في إنهاء الصراع، بل هي ستضرّ بعلاقاتنا مع حلفائنا»، كما أنها ستضرّ «بموقعنا على المسرح العالمي، وقد تسهم حتى في توفير بعض الغطاء لبوتين وأشخاص آخرين».
وفي أعقاب ردة فعل الديموقراطيين، أعرب مؤيدو القانون من الحزب الجمهوري عن «خيبة أملهم»، لأن المشروع فشل في الحصول على دعم واسع من الحزبين، «رغم الغضب الواسع النطاق في الكونغرس بشأن قرار المحكمة الجنائية الدولية». وعلى سبيل المثال، اعتبر النائب مايكل ماكول (جمهوري من تكساس)، أنّ نيته لم تكن تتمثل في أن يتخذ القانون طابع «الرسالة الحزبية، إلا أنّ هذا ما آلت إليه الأمور». ويمكن فهم «الإحباط» الجمهوري بالنظر إلى أنّه في أعقاب إصدار المحكمة قرارها، بدا أنّ هناك «إجماعاً» نادراً من الحزبين على ضرورة التوصل إلى تشريع لمعاقبة المحكمة، وهو ما انعكس في إعلان وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، في جلسة استماع في مجلس الشيوخ، في البداية، أن إدارة بايدن ستدعم إجراءات الكونغرس ضد المدعي العام لـ«الجنائية الدولية»، قبل أن يوضح، في وقت لاحق، المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي، في إفادة صحافية، أن العقوبات «ليست الحل الصحيح» للتعامل مع مذكرات توقيف المحكمة، مشيراً إلى أنّ الإدارة «تعارض هذا النهج»، فيما أعلن الديموقراطيون أنهم يفضلون بحث «خيارات أخرى للرد»، الأمر الذي أنذر، منذ وقت مبكر، ببدء الانقسام الداخلي في هذا الصدد.