كثرت التسريبات، في الآونة الأخيرة، عن جهود ديبلوماسية لتحقيق انفراجة في ملف المفاوضات بين صنعاء والرياض، وسط حديث عن أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح بشأن الوصول إلى حل سلمي للصراع. واستندت تلك التسريبات إلى عددٍ من المؤشرات الإيجابية، وإن لم يعلّق أحد من الجانبين عليها، ولا سيما صنعاء التي ترى نفسها معنيّة بالدرجة الأولى بتعزيز جبهتها مقابل تحالف «حارس الازدهار» الذي تقوده واشنطن، وبعثة «أسبيدس» الأوروبية، وتركّز جهودها العسكرية والسياسية والإعلامية على مواجهة العدوان، وتستعد للسيناريوات كافة بما فيها الحرب الشاملة، التي يذهب البعض إلى أنها قد تكون الخيار المفضّل لديها إذا كانت النتيجة إنهاء العدوان على غزة.وتتعايش صنعاء مع القاعدة الحاكمة لعلاقتها بالتحالف السعودي - الإماراتي، والمتمثّلة في الاستفادة من مفاعيل الهدنة الممدّدة بشكل غير رسمي منذ أكثر من عامين، والتي تمثّل الحد الأدنى من مطالب صنعاء. كما أن الأخيرة تتكيّف مع الأزمات الناتجة من العدوان، على قاعدة باتت تتقن استخدامها، وهي «تقطيع المراحل» حتى توفّر ظروفٍ مناسبة للانتقال إلى مرحلة تستطيع فيها انتزاع مطالبها. مع ذلك، يستدل المراقبون على إمكانية انتقال الملف اليمني إلى مسار السلام، بالعروض التي تُقدّم إلى «أنصار الله»، والتي تقوم، وفقاً لما يُنقل عن مسؤولين أميركيين، على اعتراف واشنطن بالحركة كجهة سياسية أو كأمر واقع ينبغي التعامل معه، ومنحها امتيازات اقتصادية أيضاً. على أنّ ما تعتقد واشنطن أنه مغريات لـ«أنصار الله» لا يمثل تطلّعات الحركة؛ إذ إن الأخيرة تستمد شرعيتها من الجماهير التي تتقاطر أسبوعياً إلى ساحات البلاد، معلنة الجهوزية الدائمة لمواجهة الكيان الإسرائيلي ومن يدعمه، ورافضةً بأي شكل من الأشكال مقايضة حقوقها برفع الحصار الجزئي عن إسرائيل.
ما تعتقد واشنطن أنه مغريات لـ«أنصار الله» لا يمثل تطلّعات القيادة اليمنية


ورغم ما تقدّم، نقلت وسائل إعلام خليجية عن مصادر سياسية يمنية قريبة من «التحالف»، توقّعها أن يشهد الملف اليمني، في المدة القريبة المقبلة، تطوراً على صعيد جهود التسوية التي تعمل الأمم المتحدة، بالتعاون مع قوى إقليمية، على إرسائها، متحدثةً عن احتضان مسقط اجتماعاً وشيكاً وصفته بـ«المهم» بين الفرقاء اليمنيين. ويأتي ذلك في وقت تجمّعت فيه عدد من المعطيات التي دعت بعض المراقبين إلى التفاؤل بإمكانية فتح المسار السياسي مجدّداً، لعل أبرزها ما يأتي:
- أثار السفير الأميركي لدى اليمن، ستيفن فاجن، أوّل من أمس، جدلاً واسعاً بتصريحات تعدّ الأولى من نوعها منذ بدء الحرب على اليمن، إذ نقل «معهد واشنطن للدراسات الإستراتيجية» عنه القول إنه قريباً سيتم الاعتراف بـ«الحوثيين كعامل سياسي ينبغي التعامل معه».
- أكدت الولايات المتحدة، الثلاثاء، فشل مساعيها إلى تشكيل حزام خليجي لمحاصرة اليمن الذي وسّع عملياته نحو البحر المتوسط. وأفاد موقع «بوليتكو» الأميركي، في تقرير، بأن مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية أجروا، على مدى أيام، نقاشات مع دول الخليج لتشكيل الحزام الجديد، في إشارة، كما يبدو، إلى اللقاءات التي عقدها نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي، دان شابيرو، مع مسؤولين سعوديين وإماراتيين. وأشار المصادر إلى أن الاجتماع ناقش إنشاء منظومة إنذار مبكر من الهجمات الجوية والبحرية، تتضمّن تبادل المعلومات التي ترصدها الدول، وربطها بمركز العمليات الذي تقوده الولايات المتحدة من البحرين، حيث مقر الأسطول الأميركي الخامس. لكن يبدو أن دول الخليج، ولا سيما السعودية والإمارات، لا تزال تتريّث في هذا الشأن، ولم تحسم بعد أمرها بشكل نهائي في انتظار نضوج الصفقة الكبرى في المنطقة، وترفض تعميق انخراطها في التحالفات الأميركية والأوروبية خشية استفزاز صنعاء، وهي تذرّعت في الاجتماعات مع الفريق الأميركي بأمور فنية، وفقاً للموقع نفسه. وعليه، خلُص «بوليتيكو» إلى أن التوجّه الأميركي يصطدم بكثير من العقبات، أبرزها عدم رغبة الدول الخليجية في تبادل المعلومات في ما بينها، وتنويع عددٍ من تلك الدول منظوماتها للدفاع الجوي، بما في ذلك الرادارات، وهو ما يستحيل معه توحيد المنظومة الدفاعية في المنطقة، إضافة إلى الشكوك الخليجية في الدوافع الأميركية، والامتعاض السعودي من قرار إدارة جو بايدن وقف دعمها الحرب على اليمن. ويذكر هنا أن فرق عمل أميركية وأخرى من «مجلس التعاون الخليجي» عقدت اجتماعات متتالية في الرياض، منذ 22 أيار الجاري، تحت عنوان توسيع الشراكات بين هذه الدول ضد «تهديد وحيد» يتمثّل في دول «محور المقاومة» وفصائله.
- قيام اللجنة الوطنية اليمنية لشؤون الأسرى في صنعاء، هذا الأسبوع، بمبادرة إنسانية من جانب واحد، بالإفراج عن 112 أسيراً من أسرى «التحالف»، بناءً على توجيهات من قائد «حركة أنصار الله»، السيد عبد الملك الحوثي.
- تسيير رحلات جوية مباشرة بين صنعاء ومدينة جدّة لنقل الحجيج اليمنيين.
- اللقاء الذي جمع أخيراً بين سلطان عمان، هيثم بن طارق، وأمين عام الأمم المتّحدة، أنطونيو غوتيريش، في مسقط، والذي دفع مراقبين إلى توقّع أن تنشّط السلطنة تحرّكاتها لكسر جمود المسار السياسي وتخليصه من تأثيرات التصعيد الجاري في المنطقة.