لم يكن استهداف قوّات الاحتلال الصهيوني مخيّمات النازحين العزّل في رفح فقط مناسبة للمسؤولين السياسيّين حول العالم لإعلاء نبرتهم في وجه كيان الاحتلال حتّى ولو ظاهريّاً، بل شكّل أيضاً نقطة تحوّل على مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت تعجّ أساساً بالرافضين لما يقوم به الكيان الصهيوني من جرائم بحقّ الإنسانية. لكنّ مشاهد أشلاء الشهداء المحترقة وأحدهم طفل مقطوع الرأس، استرعى اهتمام حتّى أولئك ممّن كانوا «تأقلموا» مع الوضع إلى حدّ ما، أو توقّفوا عن إبداء الحماسة التي كانوا عليها إبّان إطلاق القوّات الصهيونية باكورة جرائمها ضمن الإبادة الجماعية المستمرّة على قطاع غزّة منذ العام الماضي.

باستثناء تيك توك الذي يشهد النسبة الأكثر من المنشورات المؤيّدة لفلسطين، بدا هذا الانتباه المستجدّ جليّاً على منصّتَي X (تويتر سابقاً) وإنستغرام، بحيث تضاعف عدد المنشورات حول رفح، وخصوصاً بشكل واضح، ولا سيّما على إنستغرام. هكذا، تصدّر هاشتاغ AllEyesOnRafah# (كلّ العيون على رفح) المنصّات الثلاث (X وإنستغرام وتيك توك) وحتّى يوتيوب، وكانت نسبة كبيرة من المشاركين فيه من مواطني دول غربية، وهو ما انعكس أيضاً على أرض الواقع بحيث عمّت احتجاجات مدناً غربية عدّة، ووصل دعم فلسطين العلني إلى المجالس التمثيلية كما في إيطاليا وفرنسا. على إنستغرام الذي شدّد مايكل زوكربيرغ الرقابة عليه منذ بدء «طوفان الاقصى»، انتشرت صورة مع العبارة السابقة على شكل template، وهي تقنيّة تسمح للمستخدمين بإعادة النشر الفوري على خاصّية الـ«ستوري» مع دعوة كلّ متابعيهم إلى إعادة النشر (Add Yours)، إضافة إلى احتوائها على لائحة بكلّ مَن أعاد النشر مع أعدادهم. وحتّى لحظة كتابة هذه السطور، كان الرقم قد تخطّى الـ40 مليون إعادة نشر، ما يُظهر حجم الاشمئزاز من الكيان الصهيوني، من دون احتساب العدد الكبير ممّن يؤيّدون المضمون بلا إعادة النشر.
وكما هي العادة في لبنان، كان هناك مَن يريد الاصطياد بالماء العكر. على طريقة «النكايات»، نشر بعضهم صورة لانفجار مرفأ بيروت مع عبارة All Eyes on Beirut (كلّ العيون على بيروت). لم يكفِ هذا البعض عدم إظهار أيّ تعاطف منذ 7 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2023، ولا عدم مقاطعة المنتجات الداعمة للكيان ولا حتّى المجاهرة بعدم المقاطعة، بل ارتأى أن يتوّج وقاحته بانزعاجه من اعتراض الناس على حرق أطفال وقطع رؤوسهم!
الرقم تخطّى حتى الآن الـ40 مليون إعادة نشر على إنستغرام

هذا البعض يظنّ أنّ الأمر منافسة، فيما المجرم واحد في بيروت أو في غزّة، والمصير واحد أكان على يد الكيان أو كوننا جزءاً من الجنوب العالمي الذي يواجه الظالمين أنفسهم. هذا البعض خسر الإنسانية التي يدّعي حرصه عليها، ولو كان هو تحت المجهر، لكان يصرخ للعالم كي يستمع إليه، أو ربّما كان استخدم جواز بلده الآخر هرباً، وترك وراءه أبناء شعبه الذي يدّعي خوفه عليهم. بالطبع بيروت تهمّ، لكن لماذا لم تكن «العيون شاخصة» إلى بيروت الأسبوع الماضي؟ وإذا كان هذا البعض مهتمّاً لشأن اللبنانيّين إلى هذا الحدّ، فلماذا لم يرفّ له جفن إزاء كلّ الشهداء الذين سقطوا في الجنوب اللبناني، مدنيّين أم مدافعين عن الأرض؟
في كلّ الأحوال، لم تلقَ هذه «المبادرة» إعادة نشر إلا بضع مئات مرّات. المهمّ أنّ العيون شاخصة نحو الإبادة الجماعية في رفح وكلّ غزّة، والضفّة الغربيّة وجنوب لبنان وكلّ مكان في بلادنا عاثت فيه أيادي الصهيونية خراباً وقتلاً. والأهمّ أنّ هناك في هذه البلاد أصابعَ على زناد سلاح شاخص نحو العدوّ، يسطّر البطولات بالنار والدمّ يوميّاً، معبّداً الطريق إلى القدس خطوة بخطوة.