غزة | لم يجد جيش الاحتلال، ليل الأحد - الإثنين، طريقة للانتقام من سلسلة الإهانات التي تعرَّض لها في جباليا ورفح، سوى أن يصبّ أطناناً من الحمم على رؤوس النازحين والآمنين في منازلهم. في تلك الليلة، قُصفت أكثر من خمسة منازل على رؤوس سكانها، قبل أن يرتكب العدو مجزرةً كبرى في منطقة البركسات - أكثر مناطق مدينة رفح ازدحاماً بالنازحين - شمال غربي المدينة، بالقرب من مقرّ تابع لـ"وكالة غوث وتشغيل اللاجئين" (أونروا)، حيث آلاف الخيام المتراصّة. وللتوضيح هنا، فإنه من مجموع 1.4 مليون نازح، كانت منطقة تل السلطان التي يصنّفها العدو، حتى اللحظة، على أنها آمنة، وليست منطقة "عمليات حمراء"، تضمّ نصيب الأسد من النازحين، إذ يقول أحد الشهود: "إذا سعل أحد سكان الخيام، سيؤذي جاره، حيث أكوام من البشر يسكنون منطقة لا يفصل بينهم فيها سوى قماش الخيام، فما الذي يمكن أن يحدث إذا قصفت مساحة كتلك بالقنابل الثقيلة".في ساعات الفجر الأولى، شنّت الطائرات الحربية الإسرائيلية غارتين على تلك المنطقة، لتشتعل النيران بالمئات من الخيام، وتبدأ حفلة شواء لأجساد الأطفال والنساء. في اللحظة الأولى، أفادت وحدات الدفاع المدني بأنها أخلت 50 من هؤلاء بين شهيد وجريح، قبل أن تعلن وزارة الصحة، في مؤتمر صحافي، أن المجزرة تسبّبت باستشهاد 35 فرداً، معظمهم من النساء والأطفال. أمّا جيش الاحتلال، فقد أقرّ، في اللحظات الأولى، بأن سلاح الجو نفّذ غارتين على منطقة البركسات، كانتا تستهدفان عناصر قياديين في حركة "حماس"، قال إنهم مسؤولون عن عمل "كتائب القسام" في الضفة الغربية المحتلّة، مدّعياً بأن قصفه "لا يخالف القانون الدولي". وفي مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت مئات الصور والمقاطع المصوّرة التي تُظهر خياماً محروقة وأجساداً مشتعلة ومتفحّمة، لم تكن، للمفارقة، إلا جزءاً من مشهد المجازر. فقد تجاوزت أعداد الشهداء في ليلة واحدة، في شمال القطاع وجنوبه، هامش الـ120، الذي قضى أكثرهم في قصف مراكز إيواء ومنازل مأهولة ومكتظّة بالعشرات من النازحين.
أمّا شوارع رفح، وتحديداً منطقة تل السلطان، فقد سجّلت موجة نزوح جديدة إلى المجهول؛ وبحسب أبو محمد الضبع، فإنه "بعد ما قصفوا البركسات، قصفوا منزلين في تل السلطان، المنطقة الوحيدة المأهولة في رفح، ما في حدا عارف وين يروح، جمعوا شعب كامل في مساحة محدودة، ما ظلّ شبر في المواصي أو دير البلح أو النصيرات والزوايدة نروح عليه". على أن ردود الفعل الدولية على تلك المجازر جاءت باردة كالعادة؛ إذ اكتفى عدد من الدول الأوروبية بالتعبير عن القلق من الوضع الإنساني في رفح، فيما قالت الخارجية الأميركية إنها تتابع ما حدث في المدينة، وهي في صدد تلقّي معلومات كاملة عن الحدث. ووسط ذلك كله، كانت الطائرات الحربية تغير على عشرات المنازل المأهولة في جباليا والزيتون والمغازي ورفح، حيث لا شيء يوقف الإبادة.