غزة | لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بما اقترفه بحق المدنيين من مجازر أدّت إلى استشهاد الآلاف منهم وجرح أضعافهم، بل هو يتعمّد تعميق معاناة هؤلاء الأخيرين عبر حرمانهم من تلقي العلاج المناسب خارج قطاع غزة. فبعدما أفقد العدو، المستشفيات، الإمكانات والمستلزمات الطبية، أصبح المصاب بحاجة إلى تنسيق وتصريح من إسرائيليين للسماح له بالدخول إلى جنوب وادي غزة، ومنه السفر إلى خارج القطاع عبر معبر رفح الذي أوصدت أبوابه أيضاً. ويقول المصاب عيسى صبرة ذو الـ34 عاماً: «أصبت أثناء محاولتي الحصول على شيء من المساعدات الغذائية التي كانت تصل إلى دوار الكويت بعدما تضور أطفالي جوعاً، حيث أفقدتني الإصابة 90% من حركة جسدي، فلا أقوى على تحريك سوى رأسي ويدي، فضلاً عن تكوّن صديد على رئتَيّ، والحمد لله». ويضيف الرجل، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «جميع أوراق السفر والتحويل إلى الخارج جاهزة، إلا أن الاحتلال يحرمني من قطع الحاجز الذي يفصل غزة عن جنوبها، ويحرمني الخروج لاستكمال علاجي والعودة إلى أطفالي الأربعة الذين يطلبون مني العودة إليهم». أما الفتاة سارة سلمان (16 عاماً)، ورغم مضي خمسة أشهر على إصابتها ومعظم أفراد عائلتها بجروح مختلفة، واستشهاد أخيها الكبير، عندما استهدفت طائرات الاحتلال منزلها بصاروخ، فلا تزال تنتظر في مستشفى «كمال عدوان الطبي» السماح لها بالوصول إلى جنوب غزة، ومنه إلى معبر رفح. تقول الفتاة إنها أصيبت بشظية زنتها 800 غرام في الفخذ، وأخرى في الظهر أدّت إلى جرح عميق فيه، وصل إلى كسر في الفقرة الثالثة في عمودها الفقري ما أدى إلى إصابتها بشلل نصفي، «يمكن لأي حركة أن تحوله إلى شلل كلي إن لم يتم علاجي». وتضيف: «واجهت الموت عدة مرات، إذ إنني حوصرت من قبل الاحتلال الإسرائيلي في مستشفى كمال عدوان الطبي لمدة أسبوع، وفي مجمع الشفاء الطبي أسبوعين، لم أتلقَّ خلالهما أي علاج ما أدى إلى تعفن جروحي وتدهور صحتي»، مناشدةً المؤسسات الدولية الإنسانية العمل على مساعدتها في الخروج من مدينة غزة لاستكمال علاجها؛ «كي لا يأخذ الجسد الوضعية التي أنا عليها»، لافتة إلى أن «أبسط أمنياتي أصبحت أن أمشي وأجلس مثل أي إنسان عادي».
يمعن الاحتلال في قتل الفلسطينيين في قطاع غزة، بخاصة مصابي مدينة غزة وشمالها


وعلى المنوال نفسه، تتحدث إيمان غبون (33 عاماً)، واصفة المجزرة التي تعرّضت لها وأطفالها في 23 شباط الماضي، عندما استهدفهم الاحتلال بقذيفة من إحدى دباباته المتواجدة على شارع الرشيد، ما أدى إلى استشهاد اثنين من أطفالها وجنينها وإصابتها وطفلها الأكبر. تقول إن الأطباء أخبروها أنها «بحاجة إلى عملية عاجلة لإيقاف النزيف الحاد الذي تعاني منه، وأنه سيتم تحويلها إلى الخارج لإجراء العمليات الجراحية المتعلقة بيدها وقدمها المصابتين بتهتك لعدم توافر الإمكانات المتعلقة بهذه الإصابات في القطاع، ولكن ذلك لم يحصل»، مشيرة إلى أن «الأوراق المطلوبة للتحويل جاهزة، ولكن الاحتلال يرفض السماح لي للخروج من شمال وادي غزة إلى جنوبه». وتضيف المرأة أن «المعاناة كبيرة جداً، والمأساة أكبر. أنا بحاجة إلى الرعاية ولم يتبقَّ لي أحد ليساعدني، وأواجه إصابتي وحدي. زوجي ومعظم عائلتي في الجنوب، أولادي وأمي وأخي ووالدة زوجي استشهدوا وبيتي مدمر»، مناشدة المؤسسات الدولية، بخاصة «الصليب الأحمر» و«الهلال الأحمر» تبني حالتها ونقلها إلى المشفى الأوروبي جنوبي القطاع.
من جهته، يؤكد مدير العلاقات العامة والإعلام في مستشفى «كمال عدوان»، وسام السكني، أن الاحتلال يمعن في قتل الفلسطينيين في قطاع غزة، بخاصة مصابي مدينة غزة وشمالها «إذ إنه يضع العراقيل أمام خروج المرضى والجرحى لاستكمال علاجهم خارج القطاع». ويضيف السكني، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «المئات من المصابين والمرضى بحاجة إلى تلقي العلاج في الخارج، إلا أن الاحتلال يفرض قيوداً كبيرة عليهم، ويعرقل سيارات الإسعاف التي تحمل حالات بحاجة إلى التنقل عبر سيارات عناية مكثفة أو لا تقوى على المشي أو الحركة».