غزة | تنظر أم فادي أبو صقر، يوميّاً، بعينين دامعتَين وقلبٍ مقبوض صوب السفن والبوارج الأميركية والإسرائيلية قبالة شاطئ مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، بينما الأخيرة تفرّغ حمولتها من مساعدات إنسانية في الميناء العائم المنشأة حديثاً. تعتقد المسنّة الفلسطينية أن في ذلك «خديعة»، وأن للميناء «أهدافاً خبيثة»، وإن إنشاءه إنما يأتي «خدمةً للمشاريع الصهيونية والأميركية على حساب الدم الفلسطيني». وكان قد بدأ ضخّ شحنات المساعدات الإنسانية عبر الرصيف، يوم الجمعة الماضي (17 أيار)، وتحديداً إلى جنوب قطاع غزة، في ظلّ إغفال لمنطقة الشمال التي تعاني مجاعة حقيقية منذ أشهر عدة. وسبق للولايات المتحدة أن أعلنت إنشاء ميناء عائم قبالة سواحل غزة بتكلفة قدّرتها بحوالى الـ320 مليون دولار، لإدخال المساعدات إلى القطاع المحاصر، وذلك بفعل رفض الاحتلال فتح المعابر الحدودية الواصلة إلى غزة، ومنعه إدخال أيّ مساعدات إنسانية عبرها، وهو ما دفع الفلسطينيين إلى التشكيك في النيّات الأميركية - الإسرائيلية من وراء الميناء، الذي تقول واشنطن إنه «مؤقّت».وتقول أم فادي، في حديث إلى «الأخبار»: «أغلقوا المعابر وعملوا ميناء عشان يضحكوا علينا بشوية مساعدات، إحنا بدنا المعابر تفتح وبكفّي خديعة». وتعتقد أن الهدف الأساسي من ورائه «هو سرقة الغاز الفلسطيني وتهجير الناس لإفراغ قطاع غرة من أهله وناسه... مش لله عاملين هالميناء، بدهم يسرقوا الغاز الفلسطيني، ويهجروا أهلها ويقتلوا أولادها. هدول مجرمين قتلونا وذبحونا ودمّروا بيوتنا وممتلكاتنا كلها». ويتفق مع هذا الرأي أيضاً، النازح أحمد عبيد، الذي يقول، لـ«الأخبار»: «كان في الإمكان فتح معبر رفح أو أيّ معبر برّي آخر لإدخال المساعدات، بدلاً من الميناء؛ لكن الإصرار على إنشاء الميناء وتشغيله قبل نهاية الحرب، يحمل أهدافاً أخرى». ويضيف عبيد أن «المحتلّ زعم أن الميناء يهدف إلى إدخال المساعدات، وبعد مدة سنكتشف أن الهدف الأساسي هو تهجير طوعي لسكان غزة»، متوقعاً أن يستجيب كثير من الغزيين ممّن فقدوا أرزاقهم وبيوتهم وأهلهم للهجرة الطوعية. ويستدرك بأن «كل شخص سيستجيب للأهداف الإسرائيلية والأميركية قليل عقل ووعي، لأن الاحتلال لن يترك أهل غزة في الخارج على راحتهم مطلقاً، سيلاحقهم ويمنعهم من الحياة الطبيعية». ووفق عبيد، فإن «الاحتلال عاش داخل غزة لسنوات طويلة، ويعرف تماماً ما الذي تعنيه إستراتيجياً، وعلى ماذا تحتوي. لذلك، سيبذل جهده لاستغلال الحرب وسرقة كل ما يستطيع الوصول إليه». لكنه يعتقد أن «بقاء الاحتلال في غزة مستحيل؛ لأن أهلها وناسها لن يتخلّوا عنها مطلقاً مهما فعل... شعب غزة سيدعم المقاومة ويحملها فكراً ونهجاً ليمارسها في كل وقت وحين، فغزة أرض رباط إلى يوم الدين».
«أغلقوا المعابر وعملوا ميناء عشان يضحكوا علينا بشوية مساعدات، إحنا بدنا المعابر تفتح وبكفّي خديعة»


كذلك الأمر بالنسبة إلى النازح أبو عدي، الذي يؤكد أن «ما نعيشه في عام 2024، يشبه تماماً هجرة أهلنا وآبائنا عام 1948»، معرباً عن ألمه الشديد بسبب ما يحدث لأهل فلسطين في هذه الحرب «اللا متكافئة». ويقول أبو عدي، في حديثه إلى «الأخبار»، إن «تهجير أهل غزة من شمال القطاع إلى جنوبه، وبعد أشهر عدة من جنوبه إلى وسطه، يهدف إلى حشر أكبر عدد من الناس لدفعهم إلى الهجرة الطوعية عبر الميناء إلى أيّ دولة سواء كانت عربية أو أفريقية أو أوروبية». وعن المساعدات الإنسانية عبر الميناء، فهو يصفها بـ«الخديعة الإسرائيلية لتحقيق هدف كبير هو تهجير أكبر عدد من سكان غزة إلى بلاد أخرى».
وتجدر الإشارة إلى أنه وصل إلى قطاع غزة، عبر الميناء العائم، منذ الجمعة وحتى الثلاثاء، أكثر من 569 طناً متريّاً من المساعدات الإنسانية، وفقاً لبيان «القيادة المركزية الأميركية»، التي أشارت إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات والاتحاد الأوروبي وعدد من الشركاء الآخرين «تبرعوا» بهذه المساعدات.