وتضيف: «كتير طلعنا حفاة، وتركنا كل شيء بعدما دخل علينا اليهود وقصفوا المكان»، لافتةً إلى أن «بكيت عصير مثلج أصبح في هذا الجو الحارق من أكثر ما يسعدها».
وتعبّر أمل التتر (14 عاماً)، بدورها، عن حزنها لما فعلته الحرب بها، قائلة: «كبّرتنا وضيعت علينا عاماً دراسياً كاملاً، كنت أطمح إلى أن أتخرج منه بمرتبة الأوائل، وأسافر وأكمل علاجي»، مضيفةً أن «كلّ تلك الطموحات تبخرت، وأصبح توقّف الحرب ولو جزئياً هو الحلم الأكبر». أما عائشة الفيومي (14 عاماً) فتشير إلى أن «الحرب دفعتني، بدلاً من البحث عن المعلومات للدراسة، إلى البحث عن الطحين ولقمة العيش»، مضيفة أنها «ذهبت إلى دوار النابلسي لإحضار الطحين، بعدما جوّعنا الاحتلال وحرمنا أبسط شيء في الحياة وهو الأمن والغذاء». وتتساءل سنابل الفيومي (10 أعوام)، من جهتها، عن موعد انتهاء الحرب، قائلةً: «بكفي، زهقنا وتعبنا، الحياة صارت صعبة، كل فترة نخرج في منتصف الليل وتحت القصف هرباً من قوات الاحتلال التي تدخل علينا فجأة». وتتابع: «لماذا تصمت الدول العربية والعالمية ولا تقف معنا؟ لماذا تساند الاحتلال الصهيوني وتدعمهم ضدنا رغم احتلالهم وجرائمهم ضدنا؟»، مستدركةً بأن «الله معنا ولن يتركنا».
«مرت علينا أيام صعبة أكلنا فيها الحشائش والأعشاب وشعير الحيوانات»
وفي السياق نفسه، تقول دينا سلمي (13 عاماً) بينما الدموع تتساقط من عينيها: «حرمني الاحتلال الصهيوني أعز صديقاتي وقتلهن بدم بارد، كما أنه قتل ابن عمي الذي كان يساعدنا في كل شيء، قتل طموحاتنا وآمالنا في هذه الحياة»، بينما تصف شقيقتها لين (11 عاماً) الحرب بالكارثة، قائلةً: «جوعتنا وشردتنا وحرمتنا الاستقرار في حياتنا»، مضيفة: «اضطررنا للنوم بعضنا فوق بعض على حصيرة، وبغطاء خفيف، فالفصل الواحد كانت فيه 10 عائلات». وأثناء حديثها، مرّت طائرات إسقاط المساعدات الغذائية فوقها، فوقف طفل صغير مصفّقاً لها، لتشير إليه بقولها: «انظري، هذا أخي، عمره عام ونصف عام، وبدلاً من التصفيق للعب يصفق للمساعدات». وتتابع: «في بداية نزوحنا إلى هنا، كنا نقرأ الكتب كي لا ننسى العلم، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً بعدما بدؤوا في استخدام النار للطهي وبالتالي استخدام الكتب في الحرق، والذي أحرق مشاعري كثيراً، فيما لا يوجد بديل من ذلك».
أما محمد سمور (13 عاماً) فيقول إن الحياة لم يَعد لها طعم؛ «فقد أخذت الحرب أناساً أعزّاء على قلبي، وحرمتني من العلم والدراسة، وأتعبتني نفسياً وما عادت تفرق معي». ويضيف: «نستشهد أرحم من تعباية المي ورفعها للطوابق العليا، وأكلنا للشعير وحبوب الطيور والحيوانات، كما أن البعوض هلكنا نتيجة انتشار النفايات ومياه الصرف الصحي في كل مكان». ويلفت إلى أن الحرب عرّفته قساوة الحياة، وفي الوقت نفسه علمته الرجولة والشجاعة والشدة، و«جعلتنا نشعر بالمسؤولية ونحن في بداية الحياة، فقد جريت خلف المقاطير، وأحضرت لعائلتي كيس الطحين، وطاردت المظلات، وأحضرت المعلبات والوجبات الغذائية لإخواني الصغار». وعندها، يتدخل شقيقه ساجي (5 سنوات) ليضيف: «خلتنا نصير نجري ع المساعدات والبرشوتات، ونجيب مشطاح وبرشوت كامل مطفح معلبات وكراتين تمر».
وعلى قارعة الطريق أيضاً، يجلس طفل آخر رفض ذكر اسمه، بينما يضع أمامه بعضاً من احتياجات الأسر لبيعها. يقول: «في هذا الوقت، كان مكاني هو مقاعد الدراسة، ولكن الحرب لم تترك لي مجالاً، فالوضع الصعب الذي نعيشه دفعني إلى العمل لتوفير ما يلزم لعائلتي». وفي «مركز إيواء الدحيان»، كانت مريم شريف تلهو في ساحة المركز، قبل أن تبادرنا بالقول: «اشتقت إلى الروضة، بس الحرب ما بتخلص، بتهدم وبتكسر البيوت واليهود بيرموا صواريخ والبرشوتات ما بيجوا عنا». وتصمت قليلاً قبل أن تضيف: «كنت أتكلم مع بطني وأقوله اسكت يا بطني، ما في لا أكل ولا طحين ولا مي حلوة، ما ضلك توجعني».