لم يكن أحد ليتوقّع، بعد مضيّ سبعة أشهر على بدء حرب الإبادة في قطاع غزة، أن تنتقل كرة النار إلى قلب أميركا، مع بدء حَراك شبابي طالبي هزّته صور المجازر التي ترتكبها إسرائيل في حقّ الفلسطينيين في قطاع غزة. هكذا، انتقلت الاحتجاجات من الشارع إلى جامعات النخبة الأميركية، لتتحوّل فلسطين إلى قضية طالبية في «كولومبيا» و«ييل» و«هارفرد» وغيرها، إلى درجة أن المشهد أعاد إلى الأذهان الاحتجاجات الطالبية الصاخبة إبّان حرب فييتنام في الستينيات. وفي ضوء هذا الحَراك المتصاعد، كان لـ«الأخبار» حديث مع أحد الطلاب المحتجّين، والذي كشف عن واقع صادم، ملخّصه أن «صوت الشباب الأميركي مقموع في بلاد الحرية والديموقراطية».الطالب في اختصاص الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) في جامعة «نورث كارولاينا»، والذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، كان قد انخرط مع مجموعة طالبية داخل جامعته تطلق على نفسها «المنشقّين». و«المنشقون» منظّمة يقودها شباب «BIPOC» (مصطلح يدلّ على تجارب مجموعات السود والسكان الأصليين والمجتمعات الملونة)، وتهدف إلى ممارسة الضغط على سلطات واشنطن بهدف الابتعاد عن الحروب الدولية و«نشر مناهضة النزعة العسكرية في جميع أنحاء البلاد». وتحدّث الشاب عن بدايات نشاطه الاحتجاجي داخل حرم جامعته، بعدما دعت إحدى المنظّمات الطالبية في «نورث كارولينا»، «منظمة الاشتراكيين الديموقراطيين الشباب في أميركا» (YDSA)، إلى احتجاج على معرض تقيمه الجامعة، ووزعت منشورات توضح كيف أن أيدي شركات من مثل «بلاك روك» و«بوينغ» و«رايثيون» وغيرها، كانت حاضرة في المعرض، ملوّثة بدماء شعب غزة. ويومها، «هتف الطلاب المحتجون وساروا في محاولة لجذب الانتباه بعيداً من المعرض»، علماً أنهم أُرغموا على الابتعاد عن المبنى الذي أقيم فيه، إلى الطرف المقابل من الشارع.
ويروي الطالب كيف وُوجِه دفاعهم عن غزة بردود فعل متوتّرة من إدارة الجامعة، التي حاصرت المتظاهرين، مستعينةً بشرطة الولاية، ما أسفر عن اعتقال أحدهم بتهمة التعدّي على ممتلكات الغير. ومنذ ذلك الحين، نُظّمت احتجاجات كثيرة في الحرم الجامعي، ولكنها ظلّت تقابَل بأساليب الترهيب نفسها، سواء من الشرطة أو أمن الحرم الجامعي. وبالإضافة إلى ذلك، حاول رجل يُلقّب بـBrickyard Preacher، أن يُرهب الطلاب بأحاديث متشدّدة، كما سعى عدة مرات إلى اعتراض مسيراتهم المناصرة لفلسطين. ويوضح الشاب أن «ذلك الرجل ليس ضاراً في نهاية الأمر، ولكن المفاجئ هو اعتقال طالب حالي بتهمة التعدي على الحرم الجامعي أثناء توزيع المنشورات، وترك رجل عجوز يعظ الطلاب ويخيفهم كل يوم تقريباً».
وعن العوامل التي أسهمت في تغيير وجهات النظر وتعميق الوعي حول القضية الفلسطينية بين الطلاب الأميركيين، يعتقد الشاب أن جهود منظّمته الطالبية، أسهمت في زيادة أعداد المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين، لافتاً إلى أنه خلال الاجتماعات، كان الطلاب الجدد يستفسرون باستمرار عن طبيعة عمل تلك المنظّمة وكيف يمكنهم المشاركة فيه. كما يرى أن «هناك رغبة قوية لدى الطلاب الأصغر سناً في معرفة المزيد حول كيفية المساعدة، ووعياً متزايداً في الحرم الجامعي، رغم توجّهه المحافظ الشديد في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والهندسة». ويضيف أن مسيراتهم وتجمعاتهم «أسهمت في تعطيل الفصول الدراسية، ولفْت الانتباه إلى حقيقة أن هذه القضية لا تختفي عندما تضع هاتفك جانباً»، متابعاً أن عدداً من زملائه ومن الأساتذة، لاحظوا أن الاحتجاجات مسموعة داخل الغرف الدراسية، وأنه في نهاية المطاف، سيبدأ الحديث عن القضية الفلسطينية في الفصول نفسها.
ويدعو طلاب «نورث كارولاينا»، إدارة جامعتهم، إلى أن تسحب استثماراتها من شركات المجمع الصناعي العسكري الأميركي، المتواطئة مع الإبادة الجماعية في غزة، علماً أن الجامعة المذكورة وجامعات أخرى استثمرت ملايين الدولارات في شركة «بلاك روك» والشركات التابعة لها، وهو ما يتعارض مع رؤيتها التي تزعم دعم التنمية المستدامة، ويتجاهل عواقب الاستثمار في إحدى أكبر الصناعات الملوثة في العالم. ورغم الصعوبات التي يواجهونها، في سياق نضالهم ذاك، يرى طالب الأنثروبولوجيا أن «أفعالهم لها نتائج، فقد غيّرت عمليات المقاطعة بشكل كبير مسار أسهم «ماكدونالدز» و»ستاربكس» وعدد من الشركات الأخرى المدرجة على قائمة المقاطعة»، داعياً زملاءه إلى «الاستمرار في الحديث عن فلسطين، والتحدّث بصوت عالٍ، لأن هذا هو الوقت المناسب لنُظهر للنخبة مدى سأمنا من تصرّفاتها الشنيعة»، خاتماً بأن «فلسطين ستكون حرة!»