لن تدخل استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، أهارون حاليفا، حيّز التنفيذ فوراً؛ إذ سينتظر ربما أشهراً حتى تعيين خلفٍ له في المنصب الحسّاس والأكثر أهمية وتعقيداً بعد منصب رئيس الأركان. غير أن استقالته أخيراً «من شأنها بحدّ ذاتها التسبّب بمأزق في داخل الجيش»، وفقاً للمحلل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، يوسي يهوشواع. والسبب في ذلك هو أن رئيس الأركان، هرتسي هليفي، هو من يُفترض به أن يعين خلفاً لحاليفا في المنصب، غير أن هليفي نفسه من المتوقع أن يعلن استقالته هو الآخر على إثر الإخفاق في توقّع هجوم «طوفان الأقصى»، والتصدّي له في السابع من أكتوبر الماضي. وحتى لو تقرر أن يُعيّن خلفاً مؤقتاً من الرؤساء السابقين للشعبة، «فهذا سيكون غير صائبٍ»، على اعتبار أن «جميع المرشحين المحتملين يحملون التوجّهات ذاتها التي أدت إلى الإخفاق»، بدءاً من عاموس يدلين وتمير هايمن، مروراً برئيس أركان الجيش السابق، أفيف كوخافي، وصولاً إلى هليفي.وبحسب يهوشواع، فإن استقالة هليفي، وكذلك رئيس «الشاباك» رونين بار، «تتقدم وتقترب»؛ فمنذ أن باتت الحرب «أقل شدّة»، أضحت المنظومة الأمنية «في حاجة إلى دماء جديدة وتأهيل، وليس إلى جولة تعيينات لأشخاص سيصمّمون المنظّمات وفقاً لتصوّرات القادة الفاشلين». ولذا، من المتوقع أن يستقيل ضباط آخرون، من مثل رئيس شعبة العمليات، عوديد بسيوك، وقائد القيادة الجنوبية، يارون فينكلمان، وسابقه في المنصب، أليعيزر تولدانو، ومنسّق عمليات الحكومة في الأراضي المحتلة، غسان عليان. ويأتي ذلك بعدما أعلن قائد القيادة الوسطى، يهودا فوكس، نيّته ترك منصبه في الصيف المقبل، بسبب الأجواء داخل القيادة الأمنية، والضغوط الممارسة عليه من لوبي المستوطنين، المدعومين من أعضاء «كنيست» ووزراء في الحكومة. وفي هذا الإطار، تساءل يهوشواع: «لماذا على ضابط يعرّض حياته للخطر، أن يتنقل مع حراس شخصيين بسبب يهود (يقصد المستوطنين الذين صعّدوا هجماتهم على القرى الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة)؟»، ليجيب بأن فوكس على ما يبدو «ضاق ذرعاً».
لكن ما الذي منع أولئك من الاستقالة الفورية؟ الحجة الأساسية والمبرَرة لديهم، وفقاً ليهوشواع، هي أن «رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، يوآف غالانت، ينبغي عليهما دفع الثمن أيضاً، وخصوصاً أن استقالة المستوى المهني ستمنعهما من تحمل المسؤولية، فيما يبدو مستحيلاً إجبار نتنياهو وغالانت على الرحيل من دون انتخابات في وقتٍ يتعرض فيه الجيش للضرر». لكن ربما يكون العكس هو الصحيح أيضاً؛ إذ إن «استقالة هليفي وبار، وربما حضورهما بعد ذلك في وسائل الإعلام، سيسرّعان من وتيرة الاحتجاج ويدحرجان (كرة الاستقالات) إلى (ملعب) المستوى السياسي». أمّا ما قد يعيد الاستقرار إلى المنظومة الأمنية المُهتزّة، فهو، من وجهة نظر المحلل، عودة اللواء في الاحتياط، والنائب السابق لرئيس الأركان، إيال زامير، الذي سيتولى منصب رئيس الأركان قريباً وبشكل طبيعي؛ إذ إنه «في الحقيقة، لا يوجد مرشح مناسب ومقبول أكثر منه؛ فبصفته مديراً عاماً لوزارة الأمن، موجود في مركز اتخاذ القرار، وسلطته فعّالة ومهنية، كما سبق وأن حذّر من فكرة الجيش الصغير، وسيعرف لاحقاً كيف يعزز الجيش ويقويه، وخصوصاً إذا ما نجح في إقناع قائد سلاح الجو السابق، عميكام نوركين، بتولّي منصب نائبه».
استقالة هليفي، وكذلك رئيس «الشاباك» رونين بار، «تتقدم وتقترب»


وفي سياق متصل، وجّه ضباط في هيئة الأركان العامة انتقادات إلى رئيس الأركان، معبرين عن غضبهم في أعقاب تعيينات جديدة صادَق هليفي عليها. ونقل موقع «واللا» عن أحد هؤلاء قوله إنه «فيما قيادات المناطق والفرق العسكرية في حالة تآكل متواصل، في هيئة الأركان العامة يضيفون وظائف من دون رقابة». ورأى الضباط المعترضون هذه التعيينات «سابقة غير مألوفة» لأنها تأتي على حساب دعم قيادات المناطق والفرق التي تواجه أعباءً عملياتية»، منتقدين تعيين رئيس لدائرة الشرعية في الشعبة الإستراتيجية، ورئيس إضافي لإحدى الدوائر في شعبة القوى البشرية، مهمّته العناية بالجنود الذين جُرحوا خلال الحرب، وضابط برتبة عميد في مقر قيادة النيابة العامة العسكرية مهمّته مواجهة قضايا ضد الجيش في الساحة الدولية، رغم وجود ضابط يتولى رئاسة تلك الدائرة. ورغم ذلك، نقل الموقع عن أحد الضباط قوله إن «التعيينات الجديدة ضرورية، والسبب أن هذه الحرب معقّدة، متعدّدة الجبهات، مع نتائج قاسية. لكن هذا لا ينفي أن ثمة جنرالات في هيئة الأركان العامة قد بالغوا في تعييناتهم».
إلى ذلك، أثنى وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، على استقالة حاليفا، وكتب في منشور مطوّل على «فيسبوك» أنه «حسناً فعل حاليفا عندما استقال وتحمّل مسؤولية، وهذه فرصة لإجراء تغيير حقيقي وإصلاح بنية القيادة العليا في الجيش، ولذلك يُحظر على رئيس أركان الجيش وأولئك الذين أخفقوا أن يعينوا خلفاء يكونون على شاكلتهم»، مضيفاً أن «هناك حاجة إلى قيادة جديدة تتشكل من الضباط الذين أثبتوا أنفسهم تحت النار كي يقيم هؤلاء جيشاً كبيراً، هجومياً وفتّاكاً». وأشار إلى أنه عندما قرأ استقالة حاليفا بتمّعن، وجد «بحراً من الكلمات وصفراً من تحمّل المسؤولية»، وهو ما دفع أعضاء «كنيست» إلى مهاجمته، من بينهم عضو «الكنيست» من «المعسكر الوطني»، متان كهانا، الذي قال إنه «من المؤسف أن المستوى العسكري هو فقط من يفهم ما الذي تعنيه كلمة مسؤولية. إن التغيير الصحيح والحقيقي سيكون فقط بعد أن يتحمّل المستوى السياسي الفاشل المسؤولية، ويستقيل ويُعيد الصلاحيات إلى الشعب». وأضاف أن «تراجيدية 7 أكتوبر حدثت في عهد الحكومة الأسوأ في تاريخ الدولة. في العالم الصحيح، المسؤولية لا يتم تحمّلها بل هي مفهومة من تلقاء نفسها. من المدهش أن الحكومة ووزراء الائتلاف لا يفهمون ذلك». ومن جهته، رأى حزب «هناك مستقبل» أن «من يهرب من المسؤولية كالجبان، لا يحق له إرسال الجنود إلى ميدان القتال بينما يتحول كل شيء إلى حسابات سياسية». وحذّر، في بيان، من أنه «إذ لم يستقل نتنياهو وزملاؤه المنفصمون في الكابينيت السياسي - الأمني، فإن الكارثة المقبلة لمواطني إسرائيل هي مسألة وقت».