خرج الموقف التركي الرسمي من المواجهة بين إيران وإسرائيل من رماديّته، ليقترب أكثر من الموقف الإيراني. فبعد ثلاثة أيام من هجوم السبت، صدر أول كلام رسمي على لسان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، حمّل فيه الأخير رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مسؤولية التصعيد الجديد في المنطقة. وقال إردوغان، بعد اجتماع الحكومة مساء أول من أمس، إن «الحكومة الإسرائيلية هي التي نشرت النار في المنطقة نتيجة خطواتها الاستفزازية والتحريضية»، معتبراً أن الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق و«انتهاكها القانون الدولي»، كانا «النقطة التي طفح بها الكيل». كما لفت إلى أنه «باستثناء بضع دول، لم يدن أحد الهجوم. وعندما ردّت إيران، تنطّح الجميع لإدانتها. إنّ مَن يجب إدانته أولاً هو نتنياهو، فهو مع إدارته التي تسفك الدماء، المسبّب الأول للتوتّر الأخير»، مضيفاً أن «تركيا، منذ يومين، تبذل الجهود من أجل ألّا تتراجع قضيّة غزة في سلم الأولويات»، داعياً «كل الأطراف إلى التحرّك من أجل وقف الهجمات. وما لم يتوقّف الظلم والإبادة في غزة، فإن منطقتنا مقبلة على توتّرات أخرى».وتعليقاً على تلك التصريحات، توقّف الكاتب التركي، مراد يتكين، عند تأخُّر أنقرة في اتّخاذ موقف من الردّ الإيراني، عازياً ذلك إلى أنها «كانت قلقة من احتمال اتّساع المواجهة، ومن أن تتراجع قضيّة غزة إلى الصف الثاني من الاهتمام». ورأى يتكين أن «تركيا التي أدانت الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، لم تُرِد أن تعطي الهجوم الإيراني مشروعية، رغم أنها وصفته بردّ الفعل. ولذلك، فهي اكتفت بإجراء اتصالات ديبلوماسية»، وخصوصاً أنها «تنظر في هذه المرحلة بحساسيّة شديدة إلى العلاقات مع إيران، نتيجة لدعم طهران المتزايد لحزب العمال الكردستاني، كما تقول أنقرة». ووفقاً ليتكين، فإن هذه الأخيرة «لا تريد أن تتّخذ مواقف تزعج الولايات المتحدة عشية الزيارة التي سيقوم بها إردوغان إلى واشنطن، يوم 9 أيار المقبل، ولا سيما أنها ستكون بحاجة إلى دعم مالي خارجي من أجل وقف الانهيار الاقتصادي. كذلك، فإن تركيا، عبر رئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالين، تقوم، بناءً على دعوة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز، بوساطة في مسألة الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، ولا تريد تبنّي موقف يؤثّر على هذه العملية. وبالتالي، فإنّ موقفها من المواجهة بين إيران وإسرائيل، لا يمكن فصله عن العلاقات بين أنقرة وواشنطن».
إردوغان: تركيا تبذل الجهود من أجل ألّا تتراجع قضيّة غزة في سلم الأولويات


ومن جهته، رأى طه آقيول، في صحيفة «قرار»، أن «قول إيران إن الهجوم انتهى وحقَّق أهدافه، وضغط أميركا على إسرائيل لعدم الردّ، يمكن أن يعكسا انتهاء الأزمة أو تأجيلها حتى الآن». ورأى آقيول أن نتنياهو «مرتاح»، لأن بند الإبادة تراجع في جدول الاهتمامات، وحلّت محلّه دعاية أن «إسرائيل في خطر»، معتبراً أن «على تركيا في هذه الجغرافيا النارية أن تبقى على الحياد، وأن تبقى ضمن حلف شمال الأطلسي وتدافع عن السلام في المنطقة. وهذه هي قاعدة السياسة التقليدية للجمهورية التركية». وفي الصحيفة نفسها، قال الكاتب المعروف، منصور آق غون، إن «إيران ارتاحت لأنها قامت بالردّ على إسرائيل، لكن الأخيرة أيضاً ارتاحت لأن موضوع غزة تراجع إلى المرتبة الثانية، كما أن إسرائيل لن تجد الآن صعوبة في إقناع الكونغرس الأميركي بتمرير المساعدة لها»، مضيفاً أن «إسرائيل أصبحت أكثر قدرةً على التوصّل إلى حلّ وفقاً لما تشتهيه، بل ربّما تعمل على ضرب المنشآت النووية الإيرانية، ولا سيما في جبال زغرس». وأعرب عن اعتقاده بأن «ما يجب أن تركّز عليه تركيا هو تعزيز التواصل مع الولايات المتحدة بعد لقاءات بيرنز - قالين، وبلينكن - فيدان، من أجل حلّ أصل المشكلة، وهو القضية الفلسطينية»، متابعاً أن «على تركيا أن تقوم بأدوار بعيداً من الانفعال والحماسة، وألّا تتورّط في أيّ نزاع عسكري، وأن تكون جزءاً من الحلّ لا المشكلة، وهو ما يريده أيضاً زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، أوزغور أوزيل». وزاد أن «تصاعُد التوتّر في المنطقة يجب أن يدفع تركيا إلى مزيد من توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة وحلّ المشكلات الثنائية، وعلى رأسها تعزيز الدفاع الجوي التركي».
في المقابل، كتب برهان الدين دوران، المقرّب من إردوغان، في صحيفة «صباح»، أن «الصدام الإسرائيلي - الإيراني مؤشّر كبير إلى توازنات جديدة في المنطقة»، بعدما أصبحت القضيّة الفلسطينية، منذ السابع من أكتوبر، محور الاهتمام العالمي. «لكن نتنياهو، بالضربة على القنصلية الإيرانية في دمشق، ومن ثم الردّ الإيراني، نجح في تحريف الاهتمام إلى غير القضية الفلسطينية، وهذا ما كان يريده»، وفقاً للكاتب. وأضاف دوران: «لقد عملت إيران على أن يكون ردّها متوازناً ومحسوباً بدقّة، لكنه كان أول هجوم على إسرائيل»، معتبراً أن «تهديد إسرائيل بالردّ على إيران سيكون مادة ابتزاز لنتنياهو ضدّ بايدن الذي سيلبّي رغباتها لئلّا تقوم بالردّ على إيران»، فيما «ستعمل إسرائيل على تطوير خطواتها في اتّجاه إقامة تحالفات إقليمية جديدة في المنطقة». ودعا الكاتب دولاً إقليمية أخرى، من مثل تركيا والسعودية، إلى المسارعة إلى التحرّك معاً لتهدئة الوضع في المنطقة، لافتاً إلى أن «ما يسهل ذلك، هو عدم رغبة بايدن في التصعيد ضدّ إيران لحسابات انتخابية أميركية».
وفي صحيفة «يني شفق» الموالية، كتب قادر أوستون أن الردّ الإيراني خلق «توازنات ردع» جديدة في الشرق الأوسط، معتبراً أن «إسرائيل ستنتظر الوقت المناسب لضرب إيران، لكن ذلك لن يحصل من دون موافقة أميركا. وفي المحصلة، فإن انتقال المواجهة بين إيران وإسرائيل من المواجهة عبر الوكلاء إلى حرب مباشرة، يشير إلى أن المنطقة دخلت مرحلة جديدة غامضة جدّاً بمعزل عن الخيارات الأميركية».