على مدى الأشهر الستة الماضية، سُجّلت مسيرات جماهيرية كبيرة في الولايات المتحدة تنديداً بالحرب على غزة؛ إذ جمعت مسيرة الرابع من تشرين الثاني الماضي، في واشنطن، حوالي 400 ألف متظاهر، فيما نحو نصف مليون شاركوا في تلك التي خرجت (في العاصمة أيضاً)، في 13 كانون الثاني. ومنذ السابع من أكتوبر، قدَّر «اتحاد تعداد الحشود» (CCC)، ومقرّه الولايات المتحدة، عدد التحرّكات الداعمة لفلسطين بأكثر من 5425. أمّا تلك الداعمة لإسرائيل، فلم تُعمّر طويلاً، مع تحوُّل الاحتجاجات المؤيّدة لفلسطين إلى «أكبر وأوسع حملة داعمة للتحرّر الفلسطيني في تاريخ الولايات المتحدة»، علماً أن التظاهرات المضادّة (المؤيّدة لإسرائيل)، والتي خرجت في العاصمة، بعد أسبوع من مسيرة الرابع من كانون الثاني، فشل منظّموها في استقطاب عُشر نسبة المشاركين في التظاهرات الداعمة لفلسطين.«إنه أمر لا يُصدّق أن نشهد هذا التحوّل الكبير في الرأي العام (الأميركي) حيال فلسطين، منذ 7 أكتوبر. ليس هناك دعم أغلبية واضح لوقف إطلاق النار فحسب، بل إن نسبة متزايدة من الأميركيين - ولا سيما الشباب - أصبحت تدرك أن الشعب الفلسطيني يخوض نضالاً عادلاً من أجل التحرّر من الاستعمار والعنصرية»، وفق ما يقوله والتر سموراليك من تحالف «ANSWER»، الذي تشكَّل عقب غزو أفغانستان عام 2001، وكان عامل تعبئة رئيسياً في مسيرة 4 تشرين الثاني. ويضيف: «مكانة إسرائيل، في نظر الرأي العام الأميركي، لن تتعافى من حرب الإبادة الجماعية هذه. ويُنظر إلى بايدن بحقّ على أنه شريك كامل في المذبحة»، علماً أن إحدى المهامّ الرئيسة للحركة الأميركية المذكورة، هي إنهاء جميع المساعدات الأميركية وشحنات السلاح إلى إسرائيل.
في هذه الأجواء، تحرّكت المجموعات المؤيدة لفلسطين للضغط على مجالس المدن لتمرير قرارات وقف إطلاق النار للضغط تالياً على الحكومة، لكن الاحتجاجات والرسائل والنداءات لم تلقَ آذاناً صاغية. وفي هذا الجانب، يقول حسام من «USPCN»: «في شيكاغو، حيث كنّا ننظّم احتجاجاً جماهيريّاً واحداً على الأقلّ أسبوعياً، منذ 7 أكتوبر، تمكّنا، جنباً إلى جنب مع شركائنا السود في «تحالف شيكاغو ضدّ العنصرية والقمع السياسي»، من تمرير قرار تاريخي لوقف إطلاق النار»، مضيفاً أن القرار «يتضمّن بعضاً من أفضل العبارات المؤيدة لفلسطين (...) وبالطبع شيكاغو هي أكبر مدينة تمرّر هكذا قرار». وجاء القرار، الذي تمّ تمريره بأغلبية 24 صوتاً مقابل 23 صوتاً في كانون الثاني الماضي، بعد أشهر من الضغط في المناطق ذات التركيز العربي في منطقة شيكاغو.
وفي نيويورك، قادت مجموعتا «العودة» و«لجنة العمل الفلسطينية القانونية»، في 13 آذار، عملية تعطيل حدث يتعلّق بالبيع غير القانوني للأراضي الفلسطينية من قِبَل سماسرة إسرائيليين مزدوجي الجنسية، انعقد في لونغ آيلاند وبروكلين ونيوجيرسي. كان الأمر أشبه بمزاد مباشر على أراضي الضفة الغربية برعاية «مجموعة إيمانويل» و«منزلك في إسرائيل» وصحيفة «الصحافة اليهودية» المحلية، والتي استخفّت بالتظاهرات المناهضة لبيع الأراضي باعتبارها «موالية لحماس». لكنّ المتظاهرين تمكنوا من تخريب المزاد بعد وصولهم إلى الموقع للاحتجاج عليه، ما اضطرّ المنظّمين إلى الانتقال إلى تطبيق «زووم». أيضاً، جرى اتّخاذ إجراءات قانونية ضدّ المبيعات، على أساس أنها تنتهك «قانون الإسكان العادل» لعام 1968 و«قانون الحقوق المدنية» لعام 1965، حيث يتم رفض التسجيل والدخول والمشاركة على أساس الهوية (أي العرق والانتماء العرقي والأصل القومي والدين)، والمادة 49 من «اتفاقية جنيف».
لقد تجاوزت شرعيّة المقاومة، حتى في نظر الحركة الغربية المؤيّدة لفلسطين، بكثير شرعية النظام الأميركي الديموقراطي


ووفق المحامية الفلسطينية - الأميركية وعضو «لجنة العمل الفلسطينية القانونية»، لميس ديك، فإنه «بينما نعلم أن القانون الأميركي يتناول فقط الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، فإننا نعتزم السعي لتحقيق العدالة لكلّ منزل وأرض فلسطينية مسروقة، سواء سرقت في عام 1967 أو 1948 أو في الأمس». وطالبت أيضاً «بالتحقيق في جميع المزادات السابقة، والتي انعقد بعضها في الشهر الماضي فقط وأدارها مواطنون أميركيون إسرائيليون مزدوجو الجنسية، ووقف حلقة بيع الأراضي غير القانونية بأكملها».
إزاء ذلك، تضاعفت تكلفة المهام الموكلة إلى الشرطة في الرد على ظواهر الاحتجاج تلك، في وقت تضخمت فيه عمليات المراقبة بالطائرات من دون طيار، منذ السابع من أكتوبر. وقد قامت إدارة شرطة نيويورك السيئة السمعة، وهي الوكالة الوحيدة التي تتعاون مع الاستخبارات الأجنبية، باختبار طائرات من هذا النوع، تحت ستار «عمليات السلامة والإنقاذ» أثناء التظاهرات. وقال روب بلاكشو، المدير التنفيذي لـ«لجنة الكابيتول» في ولاية ميشيغان، في تشرين الثاني الماضي، إن نشر تكنولوجيا المراقبة المرتبطة بإسرائيل تم أيضاً في ميشيغان، حيث أطلق برنامج «ZeroEyes» للمراقبة بالذكاء الاصطناعي رداً على «المناخ السياسي المضطرب». ويسعى أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي ومجتمع الاستخبارات إلى توسيع المادة 702 - التي تسمح بالتجسّس من دون إذن قضائي على «العملاء الأجانب»، رداً على الاحتجاجات التي جرت محاولة ربطها بـ«حماس». كما قامت رابطة مكافحة التشهير - وهي مجموعة ضغط يهودية مؤيدة للصهيونية تعمل تحت ستار «الحقوق المدنية» - بالضغط من أجل المساواة بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، واعتبار موجة الإجراءات المؤيدة لفلسطين «جرائم كراهية».
وفي 7 أكتوبر، أصدر العديد من الجماعات التي يقودها الفلسطينيون بيانات تشيد بالعملية؛ إذ وصفت «حركة الشباب الفلسطيني»، بدايةً، انتصارات «طوفان الأقصى» بأنها تمثّل «معادلات جديدة في النضال الفلسطيني، وتحريك الأرض تحت أقدامنا»، بينما عدّتها «USPCN» عملية ضرورية للدفاع عن النفس، تم إطلاقها رداً على أكثر من 100 عام من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني؛ و56 عاماً من الاحتلال العسكري غير القانوني؛ وسنتين على الأقل من الإرهاب المتواصل من قبل المستوطنين الإسرائيليين، والهجمات على المسجد الأقصى والكنائس الفلسطينية في القدس، والغزوات الاستيطانية والعسكرية المتكررة للمدن والقرى ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في جميع أنحاء فلسطين والقدس والضفة الغربية عام 1948، وخاصة في مخيم جنين، ونابلس.
هكذا، تجاوزت شرعية المقاومة، حتى في نظر الحركة الغربية المؤيدة لفلسطين، بكثير، شرعية النظام الأميركي الديموقراطي حتى في استطلاعات الرأي، حيث أشارت نتائج الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي إلى رفض جماعي لبايدن. وبلغت نسبة التصويت «غير الملتزم» في أيّ منطقة في ميشيغان أقل من 10%، مع امتداد هذا الاتجاه إلى شيكاغو، التي بلغ متوسط الأصوات الفارغة أو المكتوبة في الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي فيها 14%. كما وصل اتجاه التصويت الاحتجاجي أيضاً إلى ويسكونسن وواشنطن. وفي هذا الإطار، يقول حسام: «بسبب الحركة الجماهيرية في جميع أنحاء العالم، انطلقت حملات «التخلّي عن بايدن»، والتي شهدنا نموّها وانتشارها عبر ولايات مختلفة، وهي الآن تهدّد حملة إعادة انتخابه».